الگارح ابو سالمCap24
سؤال يطرح نفسه قبل كل إصلاح: من له المصلحة في تعطيل الهولدنج وفشل طلبات العروض؟ من له المصلحة في فشل الهولدنج الخاص بالقطب العمومي؟ ولماذا تتحول طلبات العروض التي يفترض أن تُنعش السوق إلى أداة احتكار؟
هذه أسئلة تتبادر إلى أذهاننا عند الحديث عن واقع الإعلام السمعي البصري في المغرب،ولأن الهدف ليس توجيه اللوم إلى أسماء بعينها، بل مساءلة المنظومة التي تتحكم في القطاع، فقد ارتأينا أن يكون مقالنا عامًا، يناقش الفكر الذي حكم المشهد أكثر من الأشخاص، لأن الأفراد يمرّون، أما المنظومات فهي التي تصنع التقدم أو التعثر
بدايةً الألفية الثالثة ..حلم لمً يكتمل
كان من المفترض أن يدخل المغرب بداية الألفية الثالثة مرحلة جديدة في تاريخه الإعلامي، بفضل مشروع التحرير الكلي للفضاء السمعي البصري، الذي كان سيمنح البلاد دينامية استثنائية ويحول قطاع الإنتاج إلى صناعة قائمة بذاتها، تُشغّل آلاف التقنيين والمبدعين والفنانين،لكن بدل أن يتحقق هذا الحلم، خرجت حينها إلى العلن فزاعة “الأمن الإعلامي” لتجمّد كل شيء، وتُعيد القطاع إلى حالة انتظار قاتلة، تُدار بعقلية الريبة والاحتكار، لا بعقلية الإصلاح والانفتاح.
فزاعة الأمن الإعلامي… ذريعة لتجميد قطاع كامل
منذ تلك اللحظة، تحولت عبارة “الأمن الإعلامي” إلى ذريعة جاهزة لتبرير الإغلاق والتردد.
قيل إن الانفتاح الكامل قد يشكل خطرًا على التوازن الداخلي، وأن تعدد القنوات والمشاريع الإنتاجية قد يهدد الاستقرار.، لكن الواقع اليوم يُظهر أن ما كان يُخشى منه آنذاك أصبح أمرًا واقعًا، بل أكثر انفتاحًا مما تخيله أصحاب تلك الذريعة، فالمواطن المغربي اليوم يتابع، بضغطة زر، عشرات القنوات الأجنبية والمنصات المفتوحة على العالم، دون أي رقابة أو وصاية، إذن، أين هو “الأمن الإعلامي” الذي خِيف عليه؟ وأين هي الخطورة التي جعلت من الفضاء السمعي البصري الوطني رهينة للجمود؟
خسارة جيل بأكمله من المبدعين
تجميد هذا القطاع لم يكن مجرد قرار إداري، بل جريمة ثقافية واقتصادية بكل المقاييس، لقد جنى هذا التعطيل على آلاف الخريجين من المعاهد المتخصصة في التكوين السمعي البصري، الذين وجدوا أنفسهم أمام أبواب مغلقة وسوق متجمد لا يعترف بشهاداتهم ولا بمهاراتهم، كما تضرر الفنانون والمخرجون والمبدعون الذين كانوا ينتظرون انفتاحًا يتيح لهم تقديم أعمال تنبض بوجدان المغاربة، وتستمد روحها من الثقافة المحلية.، لكن ما حدث هو العكس تمامًا: ركود، تهميش، واحتكار للعروض من طرف شركات محدودة، تكرس نفس الوجوه ونفس الخطاب البصري منذ سنوات.
سوق مغلق في زمن الانفتاح
في الوقت الذي حققت فيه دول شقيقة مثل مصر والسعودية والإمارات نهضة نوعية في صناعة المحتوى السمعي البصري،، بفضل تحرير السوق وتشجيع الإنتاج المحلي والمستقل، ظل المغرب – paradoxalement – يراوح مكانه، رغم أنه كان من أوائل الدول العربية التي وضعت اللبنات الأولى لهذا المسار،لكن سوء الاستشارة، والخوف المزمن من التغيير، وهاجس التحكم كلها عوامل أجهضت تجربة كان يمكن أن تجعل من المغرب فاعلاً أساسياً في الصناعة الإعلامية العربية والإفريقية.
مؤسسات عمومية بلا بوصلة
اليوم، ونحن نقترب من مواعيد كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم 2030،نجد أنفسنا نتساءل بقلق مشروع: هل إعلامنا السمعي البصري جاهز لمواكبة هذا التحول الكمي والنوعي؟
الجواب، بكل واقعية، لا.،فما نعيشه من نكسات متكررة في التغطيات الإعلامية والرياضية، وما يُثار من انتقادات حول أداء الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، كلها مؤشرات على عطب بنيوي عميق يمسّ الرؤية والجرأة والقدرة على التجديد.
إنها ليست مجرد أخطاء تقنية، بل أزمة في التفكير الاستراتيجي داخل مؤسسات كان يُفترض أن تقود التحول لا أن تتقوقع داخله.
المشهد المفتوح… والفرصة المغلقة
اليوم، لا أحد يستطيع إنكار أن المشهد الإعلامي أصبح مفتوحًا على مصراعيه والحدود تلاشت، والمحتوى يُنتج ويُستهلك عبر منصات رقمية عالمية، دون حاجة إلى تراخيص أو رُخص بث،فأين هو الخطر الذي خِيف منه سنة 2006؟
إن من عطّل هذا الانفتاح لم يحمِ الأمن الإعلامي، بل قوّض السيادة البصرية المغربية، لأن المواطن المغربي أصبح يتغذى بصور وروايات من الخارج، في حين كان يمكن أن يتغذى بمحتوى وطني أصيل، يعكس قيمه وثقافته ويقوّي انتماءه.
خيبة الامل في الهولدينغ العمومي
استبشر القطاع خيرًا بقرب ظهور الهولدنج الخاص بالقطب العمومي، الذي كان يُفترض أن يفسح المجال لدخول هولدينغات أخرى خاصة، ويُنعش المشهد بشكل متوازن،لكن سرعان ما تحوّل هذا الأمل إلى خيبة كبيرة، بعد أن دخلت هذه الجهات من جديد لتعطيل وتأجيل هذا المستجد والنتيجة أن القطاع يعيش حيرة حقيقية: جهاتٌ لا يروق لها أن ينفتح المشهد، حتى تلك طلبات العروض التي كان يُفترض أن تكون وسيلة للتجديد، تم استخدامها من أجل الاحتكار والتشبث بالمنافع القائمة، بدل دعم التنافسية والإبداع.

نحو إعادة الاعتبار للمبدع المغربي
إن إنقاذ ما تبقى من هذا القطاع يبدأ من الاعتراف بالخطأ، وفتح صفحة جديدة تقوم على الشفافية والتنافسية، فلا يمكن بناء صناعة سمعية بصرية وطنية بقرارات مرتجلة أو برؤية بيروقراطية تخاف من الضوء، بل بتمكين المبدعين، وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وضمان عدالة في الولوج إلى طلبات العروض،او بدونها لان الجودة هي التي يجب ان تحكم المنتوج ، مع وضع استراتيجية وطنية تجعل من هذا القطاع رافعة اقتصادية وثقافية تساهم في التنمية وتحصين الهوية المغربية.
على أي إن الذين جمّدوا مشروع الانفتاح السمعي البصري في بداية الألفية الثالثة ، بدعوى حماية “الأمن الإعلامي”، لم يفعلوا سوى تأجيل المستقبل، وتعطيل طاقات أجيال كاملة من المبدعين، وحرمان المغرب من صناعة كان يمكن أن تدرّ فرص عمل، وإشعاعًا ثقافيًا واقتصاديًا واليوم، لم تعد الفزاعة تُخيف أحدًا… لأن المشهد مفتوح، لكن بدوننا..
للحديث بقية ..

