الكارح أبوسالم-Cap24-
استمرارا من موقع كاب 24 في تشخيص وحلحلة المشهد الإعلامي الميت سريريا ، نواصل تسليط الضوء على فضح مكامن الأورام المصاب بها ، فهو مشهد أقرب إلى العبث ، حيث تابع الجمهور الرياضي المغربي مساء الأربعاء فصلاً جديداً من المهازل الإعلامية ، فقد فشلت قنوات الإعلام العمومي في بث مباراة ضمن البطولة الاحترافية بين الوداد الرياضي وحسنية أكادير، لتكتفي الشاشات الرسمية بعبارة: “عدم توصلنا بإشارة البث من المصدر”.

عبارة بسيطة في ظاهرها، لكنها في عمقها كانت صرخة مدوية تلخص حال البث العمومي المغربي، وتكشف أعطابه المزمنة التي ما عادت تُخفى تحت شعارات التحديث والتطوير.
لقد تحوّل العطب التقني إلى مادة للتندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر المغاربة عن دهشتهم من كون بلد يتهيأ لتنظيم كأس العالم 2030، ويقدّم نفسه كقوة صاعدة في مجالات التكنولوجيا والاتصال، ما يزال يعجز عن تأمين بث مباراة محلية تُلعب على بعد كيلومترات من مقرات القنوات نفسها.
غير أن المأساة لا تكمن في الحادث التقني ذاته، بل في طريقة التعامل معه وتبريره. فبدل أن تتم مناقشة الخلل من زاويته التقنية، المتعلقة بتدبير الإرسال والالتقاط والبث، تمّ تحويل الأنظار نحو رواية أخرى أكثر إثارة للغرابة: أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة قامت بتأنيب قناة الرياضية، وكان رد فعلها توقيف شخصين.
لكن المفارقة أن هذين الشخصين لا علاقة لهما بالحادث لا من قريب ولا من بعيد، إذ أن الأولى مجرد كاتبة، والثاني مكلف بالإنتاج، وهما في الأصل متعاقدان (فريلانس) انتهى عمرهما المهني الافتراضي منذ سنوات. ومع ذلك، جرى تقديمهما للرأي العام على أنهما سبب الكارثة، في مشهد يختزل منطق البحث الدائم عن “كبش فداء” بدل مواجهة الواقع.
إن ما وقع يوم الأربعاء لم يكن مجرد خطأ عرضي، بل ناقوس خطر يدق بقوة ونحن مقبلون على محطة كبرى: نقل مباريات كأس إفريقيا للأمم. فطريقة النقل الحالية، التي لا تخلو من ارتباك وصورة مهزوزة وإخراج تقني ضعيف، تطرح أكثر من علامة استفهام:
أبهذا المستوى سننقل كأس إفريقيا؟ أبهذه الرؤية الباهتة سنواجه أعين العالم التي ستتجه إلى المغرب؟
الأدهى أن لا مؤشرات توحي بأن الأمور تسير نحو الأفضل. أيام معدودات تفصلنا عن الحدث، ولم نسمع عن أي بروڤات تقنية أو تجارب محاكاة كما هو معمول به في التظاهرات الدولية الكبرى. في دول أخرى، تُستدعى خبرات دولية ومخرجون وتقنيون ذوو كفاءة عالية، وتُجرى اختبارات دقيقة قبل صافرة البداية. أما عندنا، فـ”دار لقمان” ما زالت على حالها، وآذان المسؤولين مصابة بصمم إداري مزمن لا يسمع إلا ما يريد سماعه.
والغريب أن هذا التعثر الإعلامي يأتي في وقت تعرف فيه الرياضة الوطنية، خصوصاً كرة القدم، طفرة نوعية بقيادة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وفوزي لقجع، الذي يسير بسرعة مكوكية نحو العالمية. في المقابل، يبدو أن قطار الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، أو ما يُعرف بالقطب العمومي الذي يقوده فيصل العرائشي، ما زال يسير بالبخار… إن لم نقل بالعربة الجرار.
إن ما نحتاجه اليوم ليس بلاغات تبريرية ولا قرارات تمويهية، بل مصارحة ومراجعة جذرية لآليات اشتغال الإعلام العمومي. لأن المشكلة لم تعد في “الإشارة التي لم تصل”، بل في الرؤية التي لم تتشكل، وفي المسؤولية التي ضاعت بين المكاتب والتبريرات.، فحين يصبح “العطب التقني” مرآة تكشف عطبا بنيويا في العقل التدبيري، ندرك أن الأمر يتجاوز البث إلى ما هو أعمق: أزمة ثقة، وأزمة حكامة، وأزمة كفاءة.
