في خطوة غير مسبوقة، حملت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا” موقفًا لافتًا يعكس تحوّلًا دبلوماسيًا في رؤية طهران تجاه قضية الصحراء المغربية، بعد أن نشرت تقريرًا اعتبرت فيه أن المغرب حقق “انتصارًا سياسيًا بارزًا” داخل مجلس الأمن، عقب تبني هذا الأخير لقرار يؤكد واقعية مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها الرباط سنة 2007.
ورغم أن إيران لم تُعلن رسميًا دعمها لمغربية الصحراء، إلا أن طريقة تغطية “إيرنا” للقرار الأممي بدت وكأنها تحمل اعترافًا ضمنيًا بشرعية الموقف المغربي.
فالتقرير، الذي جاء بلهجة غير تقليدية في الخطاب الإيراني، تحدث عن “نجاح الرباط في فرض رؤيتها السياسية داخل الأمم المتحدة”، واعتبر أن الجزائر باتت في موقع العاجز بعد اختيارها الغياب عن جلسة التصويت.
هذا الموقف أثار تساؤلات واسعة في الأوساط الدبلوماسية حول ما إذا كانت طهران بصدد إعادة رسم مواقفها من القضايا المغاربية، خصوصًا في ظل التقارب الإيراني ـ الجزائري المعروف تاريخيًا.
صمت إيران الرسمي، مقابل احتفاء إعلامها بانتصار المغرب، يوحي بوجود برود في العلاقات مع الجزائر، أو على الأقل، مراجعة لحسابات التحالفات الإقليمية.
ويقرأ محللون سياسيون هذا التحول على أنه انعكاس للتوازنات الجديدة التي فرضها المشهد الدولي بعد الحرب في أوكرانيا، واشتداد المنافسة بين القوى الكبرى في إفريقيا، فإيران، التي تسعى لتعزيز نفوذها في القارة عبر البوابة الاقتصادية والدبلوماسية، تدرك أن الاصطفاف الأعمى خلف الموقف الجزائري قد يحدّ من قدرتها على بناء علاقات استراتيجية مع دول مؤثرة مثل المغرب، الذي بات يحظى بثقة متزايدة من واشنطن وباريس والرياض.
كما أن اختيار “إيرنا” وصف الجزائر بأنها “تخلّت ضمنيًا عن مشروعها الانفصالي” يُعد مؤشّرًا على بداية تراجع السردية الإيرانية القديمة التي كانت تُساير أطروحات “جبهة البوليساريو”، وهو ما يمكن اعتباره، بلغة السياسة، إشارة أولى إلى تحوّل في الموقف الإيراني الرسمي، حتى وإن ظل في حدود الخطاب الإعلامي.
في المقابل، يرى محللون أن إيران تحاول عبر هذا التوجه الجديد الحفاظ على قدر من التوازن في علاقاتها مع الدول المغاربية، بعد أن فقدت موقعها التقليدي في شمال إفريقيا لصالح قوى إقليمية منافسة، وأن تغطية “إيرنا” الإيجابية للقرار الأممي قد تكون بمثابة “جس نبض” قبل أي تحول دبلوماسي معلن.
ومهما كانت الدوافع، فإن الموقف الإيراني هذه المرة يعكس تغيرًا واضحًا في نبرة التعاطي مع قضية الصحراء المغربية، ويؤشر على أن عزلة الجزائر لم تعد فقط عربية أو إفريقية، بل بدأت تمتد إلى شركائها المفترضين في طهران.

