الكارح أبو سالم Cap24 –
تتحرك عقارب السياسة في الجزائر نحو ساعةٍ فاصلة، حيث يُنتظر في متمّ هذا الشهر أن يعرض مجلس الأمن تقريراً مفصلياً حول حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لحظةٌ تُنذر بانكشاف الغطاء عن واقعٍ طالما أخفته فزّاعة قديمة اسمها “قضية الصحراء المغربية” — تلك الورقة التي استُهلكت حتى الثمالة لتخويف الداخل وتغذية الصراع المفتعل مع الجار المغربي.
منذ عقود، استثمر حكّام قصر المرادية في أسطورة “العدو الخارجي” لتغطية هشاشة الداخل، بينما كانت ثروات الجزائر تُهدر في صفقات تسليحٍ لا تحمي خبز المواطن، وتغذية جهازٍ دعائيٍّ يعيش على العداء. وبدل أن تكون قضية الصحراء جسراً مغاربياً نحو الوحدة، حُوّلت إلى جدارٍ عازل، حجبت به السلطة ضوء الحقيقة عن شعبٍ يستحق أن يعيش في كرامة وعدالة وازدهار.
في المقابل، ظلّ المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، يمدّ اليد نحو المصالحة، داعياً إلى فتح الحدود وطيّ صفحات الوهم، ومؤكداً أن الشعوب لا تُبنى على الجدران، بل على الثقة المتبادلة والمصير المشترك. غير أن صوت العقل كثيراً ما ضاع وسط ضجيج من يقتاتون على العداء ويخشون بزوغ فجر التقارب.
لكن الزمن تغيّر. فاليوم، ومع المستجدات التي تعرفها قضية الصحراء المغربية في أروقة الأمم المتحدة، ومع تزايد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي كحلٍّ جادٍّ وواقعي، بدأت الرواية القديمة تفقد سحرها. صار واضحاً أن ما يُسمّى بـ”البوليساريو” ليس سوى صناعة جزائرية أُريد بها تعطيل التنمية المغاربية، وضرب الاستقرار الإقليمي، وإدامة الانقسام في المنطقة. تلك الورقة التي لطالما استُعملت لتصفية حسابات داخلية، وشراء شرعيةٍ متهالكةٍ باسم “نصرة الشعوب”، بينما الشعب الجزائري نفسه حُرم من أبسط حقوقه في تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي.
الجزائر اليوم أمام مفترق طرق. إما أن تُصغي إلى نبض شعبها، الذي بدأ يستعيد وعيه ويُدرك أن الجار ليس عدواً، وأن “الصحراء” لم تكن يوماً مشكلته، بل مشكلتهم هم، أولئك الذين استعملوا القضية لتخدير الضمير الجماعي. وإما أن تستمر في لعبة الهروب إلى الأمام، حتى تنفجر الأسئلة الكبرى في وجه النظام: ماذا فعلتم بخيرات البلاد؟ وأين ذهب الغاز والنفط؟ ولماذا بقي الشباب بين قوارب الهجرة وصفوف الانتظار؟
إن روح المغرب العربي الحقيقية لا تسكن في بيانات سياسية ولا في اجتماعات مغلقة، بل في وجدان شعوبٍ تربطها الدماء واللغة والمصير. وما يلوح في الأفق اليوم هو فرصة تاريخية لبعث تلك الروح من جديد، وتحرير العلاقات من أسر الأوهام القديمة. فالزمن لم يعد يتسع لسياسات الخداع الإعلامي ولا لأساطير “التحرير بالوكالة”. العالم تغيّر، والمنطقة تتغيّر، والشعوب باتت تقرأ بين السطور.
سيكتشف العالم قريباً أن “قضية الصحراء” لم تكن يوماً نزاعاً إقليمياً حقيقياً، بل ورقة سياسية استُخدمت لتجميد المستقبل. وحين يسقط القناع، سيتضح أن المغرب ظل ثابتاً على نهج الإصلاح والتعاون، بينما اختار آخرون متاهة الصراع ليُخفوا فشلهم في بناء الدولة الحديثة.
الجزائر لا تحتاج إلى فزاعة الصحراء لتثبت وجودها، بل إلى مصالحة مع ذاتها أولاً، ومع جيرانها ثانياً. والمغرب، الذي اختار طريق التنمية والاستقرار، يمد يده مجدداً، لا من موقع المنتصر، بل من موقع الشقيق الذي يؤمن بأن المصير المغاربي أكبر من نزاعات تُدار بالتحكم والإعلام.
فهل يسمع قصر المرادية صوت التاريخ قبل أن يتحدث مجلس الأمن؟

