عودة المهاجرين عبر باب سبتة… “معبر الجحيم” يفضح فشل التدبير
كاب24 – مراد الأندلسي
أكثر من 40 ألف مركبة ومئات آلاف المهاجرين المغاربة عبروا في الأيام الأخيرة من معبر باب سبتة، في رحلة عودة صيفية كان يُفترض أن تكون سلسة ومنظمة، لكنها تحولت إلى كابوس جماعي امتد لساعات طويلة وسط حرارة مفرطة وظروف مزرية.
ورغم وعود السلطات بتحسين الخدمات عبر تخصيص ممرات إضافية وإجراءات جديدة، تكررت مشاهد الفوضى والاختناق لتكشف مرة أخرى هشاشة البنية التنظيمية للمعبر.
ومنذ فجر الخميس الماضي، امتدت طوابير السيارات على مسافات تجاوزت عدة كيلومترات. بعض الأسر اضطرت للانتظار أكثر من 10 ساعات متواصلة قبل الوصول إلى نقطة التفتيش الأولى. حرارة خانقة، غياب مرافق أساسية، وانعدام أي وسائل للتخفيف من معاناة العابرين، جعلت المشهد أقرب إلى “معسكر انتظار” منه إلى بوابة وطنية يُفترض أن ترحب بأبنائها.
أحد المهاجرين القادمين من فرنسا قال وهو ينتظر منذ أكثر من ثماني ساعات: لا يعقل أن نقضي ساعات طويلة في الانتظار تحت الشمس وكأننا لا قيمة لنا. نحن نأتي كل صيف لزيارة عائلاتنا، ونساهم في الاقتصاد الوطني، لكننا نُعامل بهذا الشكل المهين.”
مهاجرة أخرى، أم لثلاثة أطفال، صرحت بمرارة: أطفالي بكوا من شدة الحر والجوع. لا توجد أماكن مهيأة ولا مرافق تساعد العائلات. كنا نعتقد أن الأمور ستكون أفضل هذا العام بعد كل الوعود، لكن الواقع كان أسوأ.”
وشهادة ثالثة من مهاجر مقيم في إيطاليا عكست الإحباط الكبير:نحن لا نطلب الكثير، فقط سرعة في الإجراءات وتنظيم أفضل. إذا كانت دول أوروبية تستقبل ملايين السياح في أيام معدودة دون مشاكل، فلماذا نعجز نحن عن تدبير عودة جاليتنا؟”
ورغم تخصيص خمسة ممرات للتفتيش، إضافة إلى ممر سادس للحالات المستعجلة، إلا أن النتيجة لم تختلف كثيرا عن السنوات الماضية. فالإجراءات الأمنية ظلت بطيئة، وغياب التنسيق بين مختلف الأجهزة فاقم الوضع، ليظل المهاجرون تحت رحمة ارتجال إداري لا يرقى إلى مستوى وعود تحسين الخدمات.
هذا الفشل التنظيمي المستمر يكشف أن الجهات المسؤولة لم تستوعب بعد دروس المواسم السابقة، حيث تتكرر نفس الاختناقات كل صيف، دون حلول مبتكرة أو بنية تحتية قادرة على استيعاب الأعداد الضخمة من العابرين.
الوضع الذي يعيشه معبر باب سبتة اليوم لم يعد مجرد طارئ موسمي، بل أصبح ظاهرة مقلقة تشوه صورة المغرب في عيون جاليته. فبدل أن تكون العودة مناسبة للترابط الأسري وتجديد الصلة بالوطن، يجد المهاجر نفسه عالقا في طوابير مهينة، وسط صمت رسمي يثير التساؤلات حول غياب إرادة حقيقية في معالجة الخلل.
وما يجري في معبر باب سبتة ليس فقط أزمة تنظيمية، بل مؤشر على فشل هيكلي في إدارة ملف حساس يرتبط بملايين المغاربة عبر العالم. وإذا لم تُتخذ إجراءات جذرية لإعادة الاعتبار لهذا المعبر، فسيظل “معبر الجحيم” وصمة عار تتكرر كل عام على حساب كرامة المهاجرين وصورة الوطن.

