يتصادم المغاربة اليوم مع واقعٍ صادمٍ ينسف الآمال التي علّقت على برنامج الدعم المباشر للسكن، بعدما تحوّل من مبادرةٍ يُفترض أن تُيسّر امتلاك “قبر الحياة”، إلى فخّ جديد تُنسج خيوطه من جشع المنعشين العقاريين، وتواطؤ الصمت الرسمي، وعجز الرقابة.
ففي حين بُشّر المواطن البسيط بمساعدات مالية مباشرة، وجد نفسه في مواجهة أسعارٍ مضاعفة، وابتزاز بـ”النوار”، ودوامة من الغموض والتعتيم، تُفرغ هذا الدعم من جوهره، وتجعله مجرد ورقة توتٍ لتغطية اختلالات أعمق في سوق السكن.
أحد المواطنين، قال في هذا الصدد، أنه بدل أن يساهم هذا البرنامج في خفض تكلفة اقتناء السكن، وجد نفسه وغيره وجهاً لوجه مع منعشين عقاريين استغلّوا الظرف لرفع الأثمنة بشكل غير مبرر، وفرضوا شروطاً جديدة أثقلت كاهل الأسر، أبرزها الأداء بـ”النوار”، أي خارج العقود الرسمية، وهي ممارسة خطيرة تفتح الباب أمام التهرب الضريبي والابتزاز المالي، وسط غياب أي تدخل حازم من السلطات.
وبحسب شهادات عدد من المتقدمين بطلبات الاستفادة من الدعم، فإن الأسعار ارتفعت بنسب تراوحت بين 10% و30% بعد الإعلان عن البرنامج، ما يجعل مبلغ الدعم – الذي يصل في أحسن الأحوال إلى 100 ألف درهم – غير ذي جدوى، بل يصبح مجرد تغطية شكلية على واقع مختل، يُدار بمنطق السوق المتوحش.
أما الجهات الرسمية، التي وعدت بتتبع صارم وتنزيل شفاف، فقد اختارت الصمت في وجه التجاوزات، فلا وجود لمنصات لتلقي شكاوى المواطنين، ولا لوائح علنية للمستفيدين الحقيقيين، ولا مراقبة للأسعار أو التزامات المنعشين العقاريين الذين وجدوا في هذا الدعم فرصة ذهبية لتحقيق أرباح مضاعفة دون مقابل اجتماعي حقيقي.
فهل كان المقصود من البرنامج إنقاذ المواطن من أزمة السكن، أم إنعاش خزائن لوبيات العقار؟ وهل نحن أمام مشروع إصلاحي فعلي أم مجرد إعلان حكومي يحمل طابعاً دعائياً في موسم سياسي محتقن؟
الواضح أن الحلم بالبيت لم يعد بعيداً فحسب، بل بات رهين طمع كبار السوق، وسكوت المسؤولين عن القطاع وتراكم الأوهام.

