المشي على رؤوس الأفاعي
بقلم جمال السباعي
باتت مهنة الصحافة تسير على حافة السكين، حيث تحول دور الصحفي من نقل المعلومة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. أصبح نقل الخبر يشبه تهريب شحنة مخدرات، فلا فرق بين مراسل يحمل في جعبته تحقيقاً استقصائياً، ومهرب يحمل في حقيبته ممنوعات.
اليوم، يجد الصحفي نفسه محاصراً بين الخوف من العقاب وسعيه لأداء مهنته كباقي العاملين في شتى الميادين، حتى باتت الكتابة الصحفية مرادفاً للتهريب. فبين كل مهرب ومهرب، تجد مقعداً لصحفي يتوسطهما في قاعات المحاكم. كتابة جملة قد تكون بمثابة عبور طريق ملغّم، حيث تُقرأ الكلمات على أنها تهديد لمنصب مسؤول أو تحدٍ لطموح منتخب. يعيش الصحفي إحساس الملاحق، ويتنقل بين القلق والترقب، القلق الذي يعيشه العازم على نقل شحنة جديدة من القنب الممنوع.
هذا الوضع لا ينعكس فقط على الصحفيين، بل يمتد ليطال كل مهتم بالشأن العام، ناشر له. فيصبح الخوف مرجعا للصحفي و”ضودانا” لكتاباته، الخوف الذي يعملون على زرعه في قلم الصحفي هو نفسه الذي يسقي بذرة السقوط، فحينما يخشى الصحفي قلمه، تتحول المعلومة إلى سلعة نادرة تُحجب عن المواطن، فتنعدم الشفافية وينتشر الفساد.
وحينما يخشى الصحفي قلمه، يُقيد الحق في المعرفة، فيصبح المواطن أقل قدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياته ومستقبله ومستقبل وطنه، وحينما يخشى الصحفي قلمه، تنتشر الشائعات، فتُخلق حالة من الفوضى في الوطن، وحينما يخشى الصحفي قلمه، يفقد المواطن اهتمامه بالشأن العام، فتضعف مشاركته في السياسة، ما يؤدي إلى عزوف عام عن الانتخابات والمشاركة في القرارات السياسية، وبالتالي تصبح الديمقراطية في مهب الريح.
وحينما يخشى الصحفي قلمه، تُغلق عين المجتمع ونافذته التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان، فتزداد هذه الانتهاكات وتنمو دون توثيق أو محاسبة وتتراجع الحقوق والحريات فينمو الغلو وتنهار الإنسانية، وحينما يخشى الصحفي قلمه، يغيب الوسيط بين المواطن والمؤسسات، فتضعف الثقة، ويزدهر الاحتقان، ويُهدد الاستقرار، ويشعر المواطن بالاغتراب والتهميش، فيصبح الوطن في مهب التلاعبات القادمة من الداخل والخارج.
إن الصحفي اليوم في وطني كمن يمشي على رؤوس الأفاعي، عند كل خطوة ينتظره الموت، فلا تتلاعبوا بسلامة القلم ولا تترجموا شجاعته خطأً، ولا تعتبروا كلمته تهديداً، فهو الصوت والمرآة، والرسالة السامية التي تأتيك من قريب يحاول حماية البيت. دعوه يؤدي رسالته في أمان، واحترموا حقه في البحث عن الخلل ونقله، فبوجوده يصان البيت وتترسخ قيم الحرية والعدالة وتتحرك عجلة الوطن.