في خطوة تعكس التوجه الاستراتيجي للمغرب في تعزيز تواصل الجاليات المغربية في الخارج مع هويتهم الدينية، كشف أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عن تفاصيل لقاء وصفه بالمهم جمعه بوزير الداخلية الفرنسي على هامش زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى المغرب.
هذا اللقاء الذي لم يتم الإعلان عنه في الإعلام، كان محورًا للنقاش حول سبل تعزيز التأطير الديني للجالية المغربية في فرنسا، وهي قضية تكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات التي يواجهها المسلمون في الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا.
وأشار التوفيق إلى أن وزير الداخلية الفرنسي أعرب عن اقتناعه التام بأن الإسلام المعتدل الذي يمثل التوجه الديني الرسمي في المغرب يشكل خيارًا إيجابيًا لكافة الأطراف.
وتحدث الوزير عن حوار غير تقليدي جرى بينهما، حيث أشار المسؤول الفرنسي إلى ما أسماه “صدام العلمانية”، إلا أن التوفيق أوضح له أن المغرب لا يعاني من صراع مع العلمانية، قائلا: “لا، نحن علمانيون ولا يوجد أي نوع من الإكراه الديني، بل يُترك لكل فرد حرية اتخاذ قراراته الدينية وفقًا لقناعاته الشخصية.
وتطرق التوفيق في حواره مع المسؤول الفرنسي الى التحديات المرتبطة بالقوانين التي تؤطر الحياة الدينية في فرنسا، وخاصة تلك التي تعود إلى عام 1905، والتي فرضت قيودًا على التعبير الديني في الفضاء العام، الا أنه أكد أن هذه التحديات لن تؤثر على العلاقات بين البلدين في هذا المجال، حيث تواصل السلطات المغربية دعم الجالية المغربية في فرنسا عبر إرسال بعثات دينية متخصصة.
وفي هذا السياق، كشف الوزير عن إيفاد 372 فردًا من الوعاظ، القراء، والمشفعين في العام 2024 إلى 9 دول أوروبية، أبرزها فرنسا، بلجيكا، إيطاليا، وإسبانيا، من أجل تأطير الجاليات الإسلامية خلال شهر رمضان المبارك.
إضافة إلى ذلك، تواصل الوزارة المغربية توجيه الدعم المالي واللوجستي للمؤسسات الدينية التي تديرها الجاليات المغربية في الخارج. وفي هذا الإطار، تم تخصيص مبلغ 96 مليون درهم للأنشطة الدينية في دول مثل فرنسا وكندا وإيطاليا، إضافة إلى توزيع آلاف النسخ من القرآن الكريم والكتب الإسلامية على المساجد والمراكز الإسلامية في تلك البلدان.
وفي تعليقه على التعاون بين المغرب وفرنسا في هذا الملف، أشار التوفيق إلى أن التواصل بين الجانبين يستمر بفضل التعاون الوثيق بين السفارات والقنصليات المغربية والجمعيات الإسلامية التي تديرها الجاليات في أوروبا.
وأوضح أن المغرب يحرص على دعم المشاريع الدينية التي تهم الجاليات في المهجر، والتي تساهم في تعزيز قيم الاعتدال والوسطية.
وفي إطار تعزيز هذا التعاون، أشار التوفيق إلى أن الوزارة تعمل حاليًا على إطلاق مشروعين رئيسيين في عام 2025 بالتعاون مع المجلس العلمي الأعلى والمجلس العلمي المغربي لأوروبا، ويتعلق المشروع الأول ببرنامج إعلامي يهدف إلى تعزيز التواصل بين الجالية المغربية والأجيال الجديدة عبر خمس لغات أوروبية.
أما المشروع الثاني، فيتمثل في إطلاق خدمة للإجابة على الأسئلة الشرعية للجالية، وهو ما يعكس التزام المغرب بدعم أبناءه في الخارج في جميع جوانب حياتهم الدينية.
من خلال هذه الإجراءات، يظهر التوفيق أن المغرب عازم على الحفاظ على الهوية الدينية للجالية المغربية في الخارج، خاصة في ظل التحديات التي قد تواجههم في المجتمعات الغربية، وخاصة فرنسا.
كما أن المغرب يواصل تعزيز دوره في تقديم نموذج إسلامي معتدل يساهم في ترسيخ قيم التعايش السلمي بين الأديان والحفاظ على السلام الاجتماعي في أوروبا.