ONCF 970 x 250 VA

اقتحام بن غفير للأقصى.. مخاوف في إسرائيل من “الثمن”

0

على نحو مباغت لكثيرين، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير المسجد الأقصى في مدينة القدس الشرقية المحتلة لمدة 13 دقيقة صباح الثلاثاء، ما أثار عاصفة انتقادات محلية ودولية على نحو ربما لم تتوقعه الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو.

هذه الحكومة اليمينية نالت ثقة الكنيست (البرلمان) في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبعد خمسة أيام وجدت نفسها في مواجهة تحذيرات من “العواقب” و”الثمن” ومخاوف من تحول إسرائيل إلى “دولة منبوذة”.

وإن دافع عن اقتحام بن غفير زعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف، فقد تعهد نتنياهو في بيان الثلاثاء، بالحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى.

لكن البيان لم ينجح في وقف تدفق بيانات التنديد من أنحاء العالم وقرار انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي الخميس لبحث ما أقدم عليه بن غفير.

** رفض أمريكي

وللمرة الأولى منذ تشكيل حكومته الجديدة، وجد نتنياهو (73 عاما) نفسه في مواجهة مع الولايات المتحدة التي سبق أن اعتبرها الحليف الأكبر لإسرائيل.

وقال متحدث الخارجية الأمريكية نيد برايس، في إيجاز صحفي الثلاثاء، إن “الولايات المتحدة تقف بحزم للحفاظ على الوضع القائم التاريخي فيما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس.. ونعارض أي إجراءات أحادية تقوض الوضع التاريخي القائم”.

وبشكل غير مباشر، اتهم بن غفير بتأجيج التوترات قائلا: “كما قلت من قبل فيما يتعلق بهذه الزيارة، فإننا نشعر بقلق عميق من أي إجراءات أحادية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات، فنحن نريد أن نرى التوترات تنخفض وتتضاءل”.

وردا على سؤال بشأن ماهية الوضع التاريخي القائم من وجهة نظر أمريكية، أجاب برايس: “ليس للولايات المتحدة أن تصف ما هو الوضع التاريخي القائم. هذا سؤال تاريخي إنه سؤال للأطراف (المعنية) نفسها، بما فيها الأردن الذي له دوره وصياً على الأماكن المقدسة في القدس”.

كما توالت إدانات وانتقادات من معظم الدول العربية والإسلامية والغربية مع دعوات إلى الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى.

وتقول دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس إن الوضع القائم هو الذي ساد قبل وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967، حيث تكون الدائرة هي المسؤولة الوحيدة عن إدارة شؤون المسجد الذي هو للمسلمين وحدهم.

بينما تعتبر إسرائيل أن الوضع القائم هو الذي تقتصر فيه الصلاة بالمسجد على المسلمين فيما يُسمح لأتباع جميع الأديان بدخوله.

** عواقب وخيمة

ولم تقتصر الانتقادات لاقتحام بن غفير على المستوى الدولي فحسب، بل برزت أيضا داخل إسرائيل انتقادات وتحذيرات ومخاوف من التداعيات.

وقال الرئيس السابق للكنيست ميكي ليفي لإذاعة الجيش الإسرائيلي الأربعاء، إن “تصرف الوزير بن غفير عمل غير مسؤول وسندفع ثمنه جميعا. ضعف نتنياهو في مواجهة المتطرفين سيؤدي إلى عواقب وخيمة”.

كما اتهم عضو الكنيست من حزب “المعسكر الرسمي” زئيف ألكين وزير الأمن القومي بالاستفزاز.

وصرح ألكين للإذاعة نفسها الأربعاء، بالقول: “لو أن صعود بن غفير إلى الحرم القدسي لم يسبقه تصريحاته، لما كانت هناك تهديدات من (حركة المقاومة الإسلامية) حماس. السيرك (يقصد تصريحات بن غفير) قبل ذلك كله هو الذي تسبب في المشاكل الدولية”.

أما عضو الكنيست من حزب “هناك مستقبل” المعارض رام بن باراك، فقال لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية: “صعد (بن غفير) إلى الحرم مثل اللص في الليل فقط ليصنع شارة انتصار ويظهر أنه لا يخاف من حماس. سمح له رئيس الوزراء بالصعود لأنه لم يكن لديه خيار، لقد اختار حكومة سيئة وسيدفع الثمن”.

** عجز نتنياهو

حكومة نتنياهو وجدت نفسها أيضا في مواجهة انتقادات من الإعلام الإسرائيلي، إذ كتب الكاتب عاموس هرئيل في صحيفة “هآرتس” الأربعاء، أن اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى “يعكس تغييرا في الوضع على الأقل في ميزان القوى داخل الائتلاف الحكومي”.

وتابع: “كانت هناك فترات حرص فيها نتنياهو على فرض انضباط أكبر على وزرائه ومنع مثل هذه الاستفزازات. الآن يبدو أنه لم يعد قادرا على إملاء سياسة حكومية شاملة تعكس إرادته، إنه مجبر على قبول مطالب شركائه”.

و”لذلك من المعقول أن نفترض أن هذه لن تكون المرة الأخيرة التي يتحدى فيها رئيس حزب القوة اليهودية، أحد تلاميذ الحاخام مئير كهانا، الحكومة”، بحسب هرئيل.

وأردف: “بن غفير ملتزم باستفزاز أكبر، لقد وعد في حملته الانتخابية بتضييق الخناق على الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. إذا حاول ذلك فعلا، فمن المحتمل أن يواجه إضرابا جماعيا عن الطعام قد يؤدي إلى تفاقم الوضع في الأراضي الفلسطينية”.

** إلى الجحيم

أما الكاتب في الصحيفة نفسها زفي بارئيل فحذر الأربعاء من أن “بن غفير يقود إسرائيل إلى الجحيم”.

وكتب أن “وزير الأمن القومي عازم على إثارة انتفاضة ستُسمّى باسمه. لن يهدأ حتى يجر الحكومة والجيش وكل الإسرائيليين إلى مغامرة متهورة نهائية ستحول إسرائيل إلى دولة منبوذة”.

كما “سيكون الشخص الذي يُسقط السلطة الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد ويضع إسرائيل في مسار تصادمي سريع مع الدول العربية التي أبرمت معها اتفاقات سلام، وكذلك مع واشنطن والدول الغربية بشكل عام”، وفق بارئيل.

ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم 6 دول فقط هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات معلنة مع إسرائيل التي تواصل احتلال أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا لبنان منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967.

** تعارض مع بايدن

“على قشور البيض تخطو الآن حكومة نتنياهو الجديدة فيما يتعلق بالولايات المتحدة”، هكذا صورت الوضع صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية في افتتاحيتها الأربعاء.

الصحيفة قالت إنه “من الواضح أن السياسات اليمينية المتشددة لأعضاء جدد في الحكومة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لا تتوافق مع آراء إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن حول قضايا عديدة تؤثر على المنطقة”، مشيرة إلى موقف واشنطن المؤيد لمبدأ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية).

ومفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي متوقفة منذ أبريل/ نيسان 2014؛ جراء رفض تل أبيب وقف الاستطان وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين إضافة إلى تنصلها من مبدأ حل الدولتين.

وتابعت الصحيفة أنه “من الواضح أن الولايات المتحدة قلقة من التذمر بشأن الضم (الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية) في الضفة الغربية والتوتر المحتمل مع الفلسطينيين”.

و”إذا كانت هناك أي نصيحة يمكن تقديمها للحكومة الإسرائيلية الجديدة، فهي: كوني حذرة، العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لها الأولوية على العلاقات الأخرى”، وفق الصحيفة.

وسبق أن اقتحم بن غفير المسجد الأقصى مرارا بصفته الشخصية وكنائب في الكنيست، لكنها المرة الأولى التي يقتحمه بوصفه وزيرا ضمن حكومة نتنياهو الجديدة.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تعمل على تهويد القدس وطمس هويتها العربية والإسلامية، ويتمسكون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في 1981.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.