تسع ساعات متواصلة من المرافعات والاستماع للمتهم والضحايا وعرض الحجج والدلائل أمام القاعة من وثائق ومستندات وتسجيلات صوتية كانت كافية لتكون هيئة الجنايات الاستئنافية قناعتها بتورط البلجيكي “مارك” البالغ من العمر 58 سنة في كل ما نُسب إليه من جنايات خطيرة تشمئز لذكرها النفوس وتقشعر لهولها الأبدان، قبل النطق بالحكم في ساعة متأخرة من ليلة الخميس ثامن شتنبر الجاري، حيث قضت الهيئة في الدعوى العمومية بإلغاء القرار المستأنف فيما قضى به من عدم مؤاخذة المتهم من أجل جناية هتك عرض قاصر باستعمال العنف من طرف الأصل، والحكم تصديا بمؤاخذته من أجلها، وبتأييده في الباقي مبدئيا مع تعديله باعتبار ظرف الافتضاض، وبرفع العقوبة من 3 إلى 8 سنوات سجنا نافذا، وتحميل المتهم الصائر والإجبار في الأدنى، وفي الدعوى المدنية التابعة بإلغاء القرار المستأنف فيما قضى به من رفض الطلبات المقدمة من قبل المطالبة بالحق المدني أصالة عن نفسها ونيابة عن ابنها القاصر، والحكم تصديا بقبول الطلبات شكلا وموضوعا، وأداء المتهم لفائدتها تعويضا مدنيا قدره 30.000 درهم، وفيما قضى به من عدم الاختصاص للبث في المطالب المدنية المقدمة باسم ابنها القاصر ذو الأربع سنوات، والحكم تصديا بقبولها شكلا وموضوعا والحكم على المتهم بأداء مبلغ 40.000 درهم لفائدة والدة الضحية القاصر، وتأييده في الباقي مبدئيا مع تعديله، برفع التعويض المحكوم به لفائدة باقي الضحايا من 60.000 إلى 80.000 درهم لكل واحد منهما.
ولدى سماعها منطوق الحكم، انهارت والدة الضحايا جاهشة بالبكاء الممزوج بالفرحة والزغاريد، قبل أن تسجد في بهو المحكمة شكرا لله ولعدالة قضاة استئنافية مكناس، في مشهد درامي شد انتباه الحاضرين، الذين استحسنوا قرار هيئة الجنايات الاستئنافية إنصاف هذه المرأة وأبنائها بعد سنوات من القهر والتعذيب والاستغلال الجنسي.
وقد شكلت مرافعة السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف مكناس أثناء المحاكمة حدثا بارزا قل نظيره، بعدما قام بتشريح وقائع هاته الجرائم تشريحا دقيقا، من خلال شهادات الضحايا والتسجيلات الصوتية والوثائق المرفقة، التي أدانت بشكل واضح المتهم، الذي عمد في محاولات يائسة وبئيسة لتضليل العدالة بشكل مفضوح وواضح للعيان.
كما طالب السيد الوكيل العام بصفته ممثلا للحق العام بتشديد العقوبة في حق المتهم ورفع قيمة التعويض المدني لفائدة الضحايا اعتبارا لما لحقهم من ضرر نفسي خطير سيلاحقهم طيلة حياتهم، مع إبعاد الطفل القاصر ذو الأربع سنوات عن والده المتهم وعدم ترك هذا الأخير الاقتراب منه.
من جهتها، كان دفاع المطالبين بالحق المدني الأستاذة حنان تجعونت المحامية بهيئة مكناس قد تقدمت بمذكرة لدى هيئة الحكم للمطالبة بالحقوق المدنية لفائدة الضحايا، بعدما رفضت غرفة الجنايات الابتدائية الطلبات المدنية التي تقدمت بها طليقة المتهم أصالة عن نفسها ونيابة عن ابنها القاصر ذو الأربع سنوات، وهو ما استجابت له غرفة الجنايات الاستئنافية، التي قدرت الحجم الحقيقي للضرر الذي تسبب فيه المتهم في حق طليقته وأطفالها، وهو ما بدا جليا من خلال شهادات الضحايا ووالدتهم، والتي امتزجت بالحسرة والبكاء والإحساس بالقهر والظلم، قبل أن تذرف دموعا جمرا حارقا كوى قلوب الحاضرين خصوصا المرهفة قلوبهم، وكيف لا، وأنت تشهد شابين في بداية عقدهما الثاني وهما يذرفان الدموع جمرا ويتحسران على قدرهما الذي ألقى بهما في كنف والد استغل طفولتهما وهتك عرضهما في تحد سافر لكل القيم الإنسانية والأخلاق والأعراف.
هذا، وقد منحت غرفة الجنايات الاستئنافية المتهم كافة الضمانات لتوفير محاكمة عادلة، تمت بحضور القنصل العام بالسفارة البلجيكية بالعاصمة الرباط ومساعدته ذات الأصول المغربية، ومترجمين محلفين باللغتين الفرنسية والإنجليزية، لتمكين المتهم من تتبع كافة أشواط المحاكمة، ومنحه ودفاعه الوقت الكافي للترافع والتقدم بالدفوعات الشكلية والملتمسات، حيث لم تستثن الهيئة أي ملتمس تقدم به دفاع المتهم، ليسدل بذلك الستار عن أحد أبرز الملفات القضائية التي شدت انتباه وتتبع الجمهورين المغربي والبلجيكي منذ اعتقال المتهم، الذي يشغل منصب مدير عام لإحدى كبريات الشركات الدولية المتخصصة في نقل الغاز.