أخلاقيات الصحافة وقضية الطفل ريان
بقلم: جمال المحافظ
بقدر ما استأثر باهتمام الإعلام الوطني والدولي قضية الطفل ريان البالغ عمره خمس سنوات الذي فارق الحياة بعدما عثر عليه بعد مرور أربعة أيام على سقوطه العرضي في ثقب مائي بقرية إغران في إقليم شفشاون ( شمال )، بقدر ما ارتفعت أصوات الهيئات التمثيلية للصحافيين من أجل المطالبة بالالتزام بأخلاقيات المهنة إبان تغطيتهم لمجريات هذه القضية التي لقيت عاصفة من التضامن على المستويين المحلي والدولي.
وإذا كانت وسائل الإعلام الوطنية والدولية قد خصصت تغطيات مباشرة طيلة المدة التي قضاها الطفل ريان محاصرا داخل هذا البئر المائي، فإنها بالمقابل كانت مناسبة لتتبع مستوى الأداء الإعلامي، ومدى الإلتزام باحترام أخلاقيات الصحافة حيث تمت دعوة عموم المراسلين والصحافيين المتواجدين بمكان الحادثة وكل المواقع والمنابر المهنية المتواجدة بعين المكان إلى “التحلي بأخلاقيات المهنية التي تفرض التثبت من الخبر قبل إعلانه، والابتعاد عن العناوين والجمل التي تحفل بالإثارة” حسب النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
بيد أن المجلس الوطني للصحافة اتخذ في المقابل، موقفا أكثر تشددا، حينما عبر عن أسفه الشديد لما وصفه ب”بعض الممارسات المشينة، التي صاحبت تغطية محاولات الإنقاذ، فضلا عن تسجيل العديد من الخروقات التي ارتكبتها منابر إعلامية، في تجاهل تام للمبادئ الإنسانية في الوقت الذي كان من المفترض أن ” ألا تتحول ( هذه المنابر ) إلى مجال للربح المادي والإثارة الرخيصة لزيادة عدد المشاهدات وغيرها من أساليب المتاجرة في المآسي الإنسانية” حسب ذات المجلس.
غير أن نادي الصحافة بالمغرب سجل أن وسائل الإعلام التي تمكنت من مقاربة مختلف أبعاد هذه القضية، اجتهدت في تناول الحادث من زوايا متعددة إنسانية وحقوقية واجتماعية وإعلامية مشددا على ضرورة الالتزام بقواعد وأخلاقية المهنة مع العمل على تجنب الاثارة والتهويل من جهة والتعتيم على المعطيات من جهة أخرى وتوفير كافة المعطيات والمعلومات للصحافيات والصحافيين المطالبين بالاستناد فيما ينشروه على المصادر الموثوقة تجنبا الوقوع ضحية الأخبار المضللة.
وإن كانت وسائل الإعلام، مطالبة بالالتزام بأخلاقيات المهنة واحترام الصحافة لمسؤوليتها الاجتماعية وحرصها على ألا تحول الفواجع إلى وسيلة للربح والارتزاق، كما يرى المجلس الوطني للصحافة الذي استعرض نماذج لخروقات، كتصوير الطفل ريان في وضعية إنسانية صعبة وخرق مبدأ الحق في الصورة، ونشر صور قاصرين، بغرض الإثارة المجانية، فإنه من الملاحظ أن اللجوء الى اثارة اشكاليات أخلاقيات مهنة الصحافة غالبا ما يثار خلال الأزمات في الوقت الذي يتعين أن تكون أخلاقيات المهنة سلوكا يوميا للإعلامين والمؤسسات الصحفية وليس عملية مناسباتية أو يثار موضوعها وفق حسابات وتوجيهات خارج اطار المهنة التي تعتبر أحسن مهنة في العالم كما قال ذات زمان غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للآداب.
فاحترام أخلاقيات المهنة لا ترتبط بسلوك الصحافيين فقط، ولكن ترتبط كذلك بصيانة كرامة الصحافي وتوفير البيئة والشروط الملائمة لممارسة العمل الصحافي وضمان حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات والاهتمام بالتكوين تحسين وضعية الصحافيين على المستويين المادي والمعنوي، باعتبار أن ذلك يشكل دعامة للنهوض بالصحافة الذي يمر كذلك بتعزيز استقلالية الصحافيين انطلاقا من تعهدات والتزامات يعملون بأنفسهم على وضعها واحترامها في نفس الوقت، دون إتاحة الفرصة لأطراف خارج المهنة، لإيجاد تبريرات وتوجهات تتناقض مع مبادئ حرية التعبير.
فمواكبة الإعلام لقضية الطفل ريان، يمكن أن تشكل أفقا جديدا لتناول الصحافة للمواضيع المرتبطة بالطفولة، وتجاوز الصعوبات و الإشكاليات التي تحول دون قيام الصحافة بأدوارها المهنية في التعاطي مع قضايا هذه الفئة منها عدم احترام حق الأطفال في الخصوصية، مع التركيز غالبا على الإثارة وتجاهل مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل التي تنص في المادة 17 منها على أن الدول الأطراف تعترف بالوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام وتضمن إمكانية حصول الطفل على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية، وبخاصة تلك التي تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية.
وتحقيقا لهذه الغاية، تقوم الدول الأطراف بتشجيع وسائط الإعلام على نشر المعلومات والمواد ذات المنفعة الاجتماعية والثقافية ، للطفل مع وضع مبادئ توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بمصالحه وعلى أساس أن يحمى القانون خصوصية الأطفال، وأن يحمي عائلاتهم وبيوتهم واتصالاتهم وسمعتهم من أي اعتداء، مع ضمان حق اللأطفال في الحصول على المعلومات من شبكة الإنترنت والإذاعة والتلفزيون والصحف والكتب وغيرها، وعلى الحكومات تشجيع وسائل الإعلام على نشر المعلومات من مصادر مختلفة، وبلغات يتمكن جميع الأطفال فهمها.
كما يلاحظ حضورا محتشما لقضايا الطفولة في الإعلام، وعدم مراعاة خصوصية الجمهور الناشئ على الرغم من بعض المجهودات التي تظل معزولة وغير كافية في الوقت الذي تقتضى أخلاقيات مهنة الصحافة الإلتزام بحماية القاصرين وصورهم في قضايا حساسة اجتماعيا، كما لا يجب أن يكونوا موضوع فيديوهات يتم استدراجهم لها بغرض الإثارة المجانية، أو أن يكونوا هدفا لأشرطة مصورة تتضمن العنف والميوعة وانحدار القيم الإنسانية.
انطلاقا من ذلك فإن تغيير النظرة النمطية السلبية لتعامل الاعلام مع الأطفال وقضاياهم تكتسى أهمية خاصة فوصف الطفل في وسائل الإعلام يدعم مجموعة من المعتقدات الخاطئة خاصة بالبلدان النامية – حسب الفيدرالية الدولية للصحفيين- التي تنتقد تصور الأطفال الذين يعانون من الفقر وضحايا الحروب والكوراث، يفتقدون القدرة للحديث عن نفسهم وفاقدين لشخصيتهم الفردية والإنسانية.
بيد أنه على الرغم بأننا عشنا لحظة وطنية وإنسانية، كانت تتطلب فضلا عن إنقاذ الطفل ريان، وإمداد الرأي العام بالمعلومة الموثوقة، إلا أن السقوط في فخ البحث عن الإثارة على حساب الحقيقة، يسيء لنبل المهنة وقيمها – كما جاء في بلاغ للنقابة الوطنية للصحافة المغربية – وهو ما يتطلب أن تلتزم المقاولات الصحفية بمبادئ أخلاقيات المهنة خاصة في ” ظل أزمات وفواجع، لا يمكن أن تتحول خلالها بأي حال من الأحوال، إلى مجال للربح المادي والإثارة الرخيصة لزيادة عدد المشاهدات وغيرها من أساليب المتاجرة في المآسي الإنسانية، حسب المجلس الوطني للصحافة، فضلا عن تجنب الاثارة والتهويل من جهة والتعتيم على المعطيات من جهة أخرى، وتوفير المسؤولين لكافة المعلومات والمعطيات للصحافيات والصحافيين والاستناد فيال تغطية الصحافية على المصادر الموثوقة والمتعددة وذلك لتجنب الوقوع ضحية الأخبار المضللة والتأثير على الرأي العام سلبيا.