سياسة الفساد والإستبداد في المغرب إلى أين؟
بقلم: عبدالمجيد الإدريسي
يعد المغرب من بين الدول التي انقضت على ما وفره واقع الانهيار الأمني في المنطقة من فرص للسلطة للإجهاز على المكاسب الجزئية والهشة التي تحققت خلال عقود من نضال الحركة الديمقراطية والحقوقية بشكل خاص. مستعملا فزاعة الفتنة والحرب داخليا، وورقة الحماية من الإرهاب اتجاه أوروبا التي استعملتها دولها بدورها اتجاه مواطنيها لتبرير دعمها لسياسة الفساد والاستبداد في المغرب، في تناقض صارخ مع القيم التي تتبناها في خطابها اتجاه شعوبها. فقد عرفت أوضاع حقوق الإنسان في شموليتها تراجعات صارخة على جميع المستويات، خاصة بعد تراجع حركة 20 فبراير واختلال موازين القوى من جديد لصالح السلطة والقوى المناهضة للحقوق والحريات. ويتضح هذا التراجع في العديد من المؤشرات تهم حرية الصحافة والتعبير ومستوى جودة العدالة واحترام القانون وعلى مستوى الحكامة والشفافية وأيضا على مستوى العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحقوق الفئات. وقد قدمت الورقة الخاصة بتحليل السياق تدقيقا لمميزات هذه الأوضاع وعددا من المؤشرات الرقمية عنها.
وقد احتد هذا الوضع ببلادنا أكثر سنة 2014، يتجلى في المنحى التراجعي القوي الذي عرفه السلوك الرسمي للسلطة ضد الحركة الديمقراطية بشكل عام والحركة الحقوقية المستقلة بشكل خاص، والمتميز برجوع الحصار الممنهج للدولة ضد المدافعين وقمع الصحافيين ووصمهم ومحاكمة النشطاء بقرون من السجن النافذ. وهو ما وقفت عليه بتفصيل تقارير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الصادرة في السنوات الأخيرة، كما عكسته تقارير المنظمات الدولية المعروفة، كمنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، حيث أصدرت هذه الأخيرة تقريرا لها غير مسبوق حول وضعية المدافعين بالمغرب في فراير 2018، إذ أبرز ما سماه التقرير ب “انكماش حيّز العمل بالنسبة للمجتمع المدني المستقلّ في المغرب”، واعتبرت أن ذلك يؤثر على عدد متزايد من منظمات حقوق الإنسان، ويجعل من المكاسب الدّستورية التي تحققت سنة 2011، في أعقاب حركة 20 فبراير وما سمي ب”الربيع العربي”، في تراجع تحت وطأة القيود والمضايقات الإداريّة.
كما يتضح احتداد القمع ضد المجتمع المدني من خلال الآليات الجديدة التي يقاوم بها، إذ تشكلت في المغرب لأول مرة شبكة تضم الهيآت التي أصبحت عرضة لقمع ممنهج من السلطة وهي “شبكة التنظيمات ضحايا المنع والتضييق” والتي تضم ما يقارب 30 تنظيما. ووضعت تقاريرها تضمنت عشرات حالات المنع لأنشطة المجتمع المدني التي تدخل ضمن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان بتنوع مجالات عملهم. كما شمل عشرات حالات المنع من الحق في التنظيم وتأسيس الجمعيات، علما أن العدد الحقيقي للجمعيات التي ترفض السلطة تعسفا تمكينها من وصل الإيداع يفوق ذلك بشكل صارخ حيث أخذ هذا التعسف منحى منهجيا خاصة في بعض الولايات كالرباط التي تحرم سلطاتها الجمعيات والتنظيمات من وصل الإيداع عند وضع الملف بشكل شبه شامل. وهو ما جعل الإطارات المتضررة منها تنشئ هيئة خاصة بمشكل الوصولات سميت “المبادرة الوطنية من أجل الحق في التنظيم”.
ومن خلال التقارير التي وضعت من طرف مختلف المنظمات الدولية يتضح أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان معنية بالجزء الأوفر، وبشكل كبير، من انتهاكات الحق في التنظيم والحق في التجمع السلمي. كما تمكنت الجمعية من خلال علاقاتها بالعديد من الشركاء من التأكد أن السلطة تعمد إلى محاولة تأليبهم عليها كما تلجأ إلى الضغط على الشركاء الراغبين في الاشتغال معها وعلى الجهات المانحة لإبعادهم عنها بهدف الخنق المالي للجمعية بشكل غير مباشر.
وشكلت الجائحة التي بدأت في المغرب في مارس 2020، مناسبة أخرى انقضت عليها الدولة للإجهاز على ما تبقى من الحقوق والحريات التي يجب أن تكفل للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان. وقد صنفت المفوضية السامية لحقوق الإنسان المغرب ضمن الدول التي استغلت الجائحة للانتقام منهم. وتجلت سياسة الانتقام هذه في الاعتقالات التعسفية، ومنع الأنشطة والاحتجاجات رغم احترامها لشروط الوقاية من الوباء، واستمرار حرمان الإطارات من وصولات الإيداع، وتزايد استغلال الصحافة من طرف السلطات ـ في انتهاك سافر لرسالتها النبيلة ـ في التشهير والقذف وسب المدافعين والمدافعات وحماية المنابر المتورطة في هذه الأفعال الإجرامية من أي متابعة أو محاسبة.