ONCF 970 x 250 VA

بين ويلات الظلام…أشخاص في وضعية الشارع يعيشون البؤس بحذافيره

0

بقلم- فاطمة موسى

 منتعلا لشيء يشبه الحذاء، متسترا بخرقة قد نراها مرآة لحياته وأوجاعه وما مر به أكثر مما نراها خرقة، يمر بيننا هذا الإنسان الذي سلبت منه إنسانيته وكرامته متجولا بين الأزقة منتشيا وكيس المخدر بين يديه، أو ساحبا لكيس قمامة يتجول به بين الحاويات حتى يملأها بقذارة الأخرين.

نخاطبه سائلين:  ما اللذي حل بك حتى وصلت إلى ما أنت عليه؟ 

يجيب: إنها الحياة وحسب، الظروف لاترحم كما هو الحال عند المجتمع كذلك…

كثيرون هم  أولئك الذين ينتظرون نسمات الخريف وظلمات الليل الحالك، متلحفين بأغطيتهم الدافئة؛ يستمتعون بصوت قطرات المطر، يرتشفون رشفات من كوب القهوة أو الشاي الساخن ويقرأون كتابهم المفضل، يمسكون هواتفهم بين الحين والأخر، يتصفحون مواقع التواصل الإجتماعي، يتشاركون وأصدقاءهم صورا ومقاطع فيديو لأمطار الخير في سعادة وهناء لامنتهى لهما.

لكن، في هذه الأثناء بالذات قد تكون الأوضاع مختلفة بالنسبة لأخرين، أولئك اللذين يمقتون هذا الفصل بكل مافيه؛ ولهم عذرهم في ذلك، فهم يعلمون جيدا أن العذاب الأليم ينتظرهم من جديد، فهم لن يستمتعوا بهطول المطر ونغمات قطراته كالبقية، ولن يتلحفوا بالأغطية الدافئة، ولن يرتشفوا الأكواب الساخنة من مشروباتهم المفضلة في عز واطمئنان، ولن يتصفحوا مواقع التواصل، فلا تواصل بينهم وبين العالم يذكر. لن يتشاركوا الصور والقصص مع أصدقائهم؛ فالحقيقة هي أن الصورة صورتهم، والقصة قصتهم، والحكاية حكايتهم، هم أشخاص “في وضعية الشارع” حالت بهم الأقدار دون غيرهم إلى التبدد والتقهقر على جنبات الطرق، وهنا تكمن المفارقة.

ألآف المشردين من فئات مختلفة:  ذكورا و إناثا، أطفالا، شبابا وشيوخا. هم ضحايا للعنف الأسري أو الفقر والبطالة وسوء التدبير المؤسساتي الذي يطبعه الفشل الإقتصادي والسياسي. يقتاتون من اللاشىئ على الرغم من أن همهم الوحيد  قد يكون في أغلب الأحيان هو إشباع بطونهم الجائعة. وداخل مجتمع تتزاحم فيه الأفات والتأزمات تعيش هذه الفئة مقموعة ومهمشة لأقصى حد، مع أجسام عقيمة وعقول فارغة وأرواح لم يعرف الهيام طريقها قط، أو عرفها في وقت من الأوقات إلى حين أن حلت بهم الكارثة التي قادتهم نحو طريق مسدود، مشتتين بين زواياه الشائكة.

حاورنا الأستاذ “كريم جهجاه” الكاتب العام لجمعية “رواحل الخير” بتطوان ليؤكد أن مجال المشردين لا يلقى اهتماما كبيرا من العديد من فعاليات المجتمع المدني لأن وضعيتهم لا تبرز في المشهد، خصوصا وأن الليل هو مجالهم،مضيفا “لكن رغم ذلك توجد جمعيات ومنها جمعيتنا تتعامل مع موضوعهم بجدية،ونلقى تفاعلا من العديد من الفاعلين في المدينة،غير أن مشكلة المشردين أكبر من أن تعالجها جمعية واحدة أو مجموعة من الجمعيات،حيث أن القضاء على هذه الظاهرة يستلزم تكاتف قوى المجتمع المدني وأجهزة الدولة والمجتمع برمته. عموما، يضيف جهجاه، “هذه الأعمال التطوعية تلقى ترحيبا من عدة أطراف في المجتمع المدني ومن عموم المواطنين،لكن بعض الظواهر يصعب معالجتها جذريا إلا بتدخل العديد من الأطراف والأجهزة،ويبقى دور المجتمع المدني هو تسليط الضوء عليها والعمل على التخفيف من حدتها،على أمل القضاء على أسبابها في قابل الأيام”.

من جانبها فسرت الظاهرة  أستاذة علم النفس بجامعة عبد المالك السعدي “كلية الأداب والعلوم الإنسانية بتطوان،” “فوزية بلال”،  من الزاوية السيكولوجية معتبرة  أن هذه الفئة تعيش التشرد بسبب ما تعانيه من حرمان: كالحرمان من ولوجهم للمدارس أو متابعة دراستهم، والحرمان  من أسرة تحتضنهم وتحبهم، والحرمان من الحب.

ورجحت فوزية بلال، الأسباب إلى ظروفهم الإجتماعية والإقتصادية كما هو الحال في التفكك الأسري أو الفقر أو اليتم، مما يخلف لديهم إحساسا بالوحدة والكآبة ويفتح أمامهم الباب على مصراعيه لعالم الإدمان. فالحرمان من الأسرة يجعل الطفل يعيش قلق الإنفصال وهذا القلق يشكل جزءا من الإضطرابات الوجدانية التي تظهر في الطفولة، وهو قلق مرتبط بالفقدان فيظهر لديه إحساس بالقلق إزاء كل وضعية تثير فيه هذا الإحساس بالفراق.

وهذا النوع من القلق  تضيف الأستاذة الجامعية، يصبح مرض،  كما يحضر بوتيرة حادة ويمكن أن يستمر لسن الرشد أي أن هذه الفئة تعيش أحاسيس الفقدان؛ فكل وضعية وتجربة تثير هذا الإحساس. وحرمانه من الحب والحنان يفقره نفسيا ويجعله يعاني من الشعور بالنقص وبالدونية والعجز ويفقده ثقته بذاته الأمر الذي يمكن أن يدفعه للعزلة والإنطواء، مضيفة  أن إنقلاب الوضع الاقتصادي للأسرة يشكل نوعا من الصدمة النفسية للطفل التي قد تدفعه للإنحراف ليبدأ بالبحث عن الرفقة السيئة والغياب المتكرر من المدرسة لتنتهي بهروبه من المنزل وتعاطيه المخدرات.

من جانب آخر، نجد أن فقر الأسرة الذي قد يدفعه للتسول ليجد نفسه يجوب كل الشوارع بحثا عن توفير مصروفه اليومي ليساعد به الأم وإعالة إخوته.  يعاني هذا الشخص حقيقة من وصم المجتمع مع ما يصاحبه من تهميش ورفض مما يؤثر على كرامته وثقته بنفسه وهويته ويخلف لديه إحساسا بعدم قبول المجتمع به.

وأشارت إلى أن ظاهرة التشرد هي حصيلة التحولات الاجتماعية وأنماط التفكير التي تسود في المجتمع ونظرا لآثارها الوخيمة على الفرد والمجتمع فإنها تتطلب مواكبة ومقاربة تشاركية تخص كل القطاعات حتى نتمكن من القضاء عليها.

إذا، مهما حاول الإنسان أن يتخلص من ماضيه؛ سيطارده، فكل ثغرة في الحياة تصنع موضعا لها في مستقبل هذه الفئة التي أصبحت ضحية لإختيارت وقرارات فاشلة لا طائل منها، سواء كانت قرارات أسرية، إجتماعية، أو حتى سياسية. ليظل بذلك سوء تدبير القوانين والبنود وانعدام المسؤلية الأسرية الحلقة الكبرى التي تدير حيواة هؤلاء الضحايا…

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.