خلال أيام “الكان”، بدا المغرب وكأنه خرج فجأة لا ليُفاجئ العالم فقط، بل ليُفاجئ أبناءه قبل غيرهم…
بقلم : عبد الله عياش
خلال أيام “الكان”، بدا المغرب وكأنه خرج فجأة لا ليُفاجئ العالم فقط، بل ليُفاجئ أبناءه قبل غيرهم…
كم هائل من مقاطع الفيديو تتربع على سلم المشاهدات ..إني اتعرف على بلدي من خلال كاميرا زوار أجانب ..عددهم كبير يحملون الكاميرا ويتنقلون بين المدن، فيكشفون بلداً آخر.. طرقات نظيفة، فضاءات حديثة، مدن تلمع، ومشاهد تشدك شدا
كم انت رائع يا وطني ..لم اكن اعلم انك تشبه سويسرا أحياناً، وكندا أحياناً أخرى.. أكادير ببحرها وواجهتها، إفران بثلوجها، الرباط بهدوئها وازدهارها، والدار البيضاء بحداثتها المتسارعة… كل المدن تقول اني أنتمي لمغرب جميل، أنيق، متقدم، ومُدهش.
لكن السؤال المؤلم…لماذا اندهشت من جمال هذا البلد الٱمن الجميل ؟
الجواب ليس في ضعف الوطنية، ولا في الجحود، بل في الواقع…لأن ليس كل المغاربة مخوّل لهم أن يروا هذا المغرب…ليس كل المغاربة يملكون الإمكانيات ليتمتعوا بجمال بلادهم.
وليس كل المغاربة لديهم فائض مال ليحجزوا رحلة، أو يقضوا عطلة، أو “يكتشفوا” بلدة ..
هناك مغاربة صراعهم اليومي مع لقمة العيش…مغاربة سقف أحلامهم لا يتجاوز الأكل، الكراء، وفاتورة الماء والكهرباء…
مغاربة مستنزَفون، مطحونون، مستغرقون في معركة البقاء، إلى حد النسيان التلقائي لكل ما هو جميل خارج دائرة الضرورة.
كم انت مدهش ياوطني ..لكن أخبرك ان دهشتي موجعة…فقط لأني ادركت جمالك وتقدمك بعين كاميرا أجنبي…
يؤلمك أن تكتشف وطنك عبر عدسة “البراني”، لا عبر صحفي مغربي، ولا عبر مؤثر من جلدتك، بل عبر زائر جاء، رأى، وانبهر… ثم سيغادر.
وحين تشاهد ذلك المغرب الراقي، المتقدم، اللامع، وأنت غارق في تفاصيل المعيشة القاسية، تحسم داخلك حقيقة صامتة..أنت رقم خارج المعادلة.
ليس لأنك لا تحب بلدك، بل لأن الحياة دفعتك إلى زاوية أخرى.
زاوية ضيقة، مسدودة، تُجبرك على الانكباب الكامل لتوفير الضروري، … وتقصيك تلقائياً من متعة الاكتشاف، ومن حق الدهشة الجميلة.
ما أقسى الحياة…وما أروع المغرب الذي لم نشاهده كرهاً، لا اختياراً.
مغرب موجود، يتطور، يلمع…لكن بينه وبين جزء من أبنائه مسافة اسمها القدرة، واسمها أيضاً العدالة الاجتماعية.
مغرب جميل….لكن ليس للجميع !!!!

