حين تصطدم أخلاق الضيافة بمحاولة الاستفزاز
الحسين بكار السباعي :
تحمل واقعة تغطية صورة جلالة الملك، الصورة الرسمية المعتاد وضعها إلى جانب العلم الوطني في مختلف المناسبات واللقاءات، بستار داخل قاعة إجتماعات إحدى الفنادق المخصصة للفريق الجزائري بمناسبة إقصائيات الكان، فعل تنطوي عليه دلالات ليست رمزية فقط ، بل أعمق من مجرد تصرف فردي عابر أو “سلوك غير لائق” داخل فضاء عمومي. فحجب صورة جلالة الملك داخل مؤسسة عمومية أو شبه عمومية بالعاصمة الرباط لا يمكن قراءته سياسيا، إلا بوصفه فعل مقصود، يستهدف رمز السيادة الوطنية، ويحمل في طياته شحنة إستفزازية تتجاوز الأشخاص لتطال الوجدان الجماعي للمغاربة الذين عبروا عن فرحتهم في إحتضان الكان من طنحة الى الكويرة.
من زاوية التحليل السياسي، يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات لفهم هذا الفعل المرفوض ، فعلى المستوى السياسي والدبلوماسي، تعد صورة رئيس الدولة في بلد مضيف جزءا من البروتوكول السيادي غير المكتوب، وإحترامها يدخل في صميم قواعد اللياقة الدبلوماسية، حتى عندما لا يكون الحدث يكتسي طابع رسمي. فضلا على أن المساس بصورة لرمز الدولة،وبهذه الطريقة الصبيانية، يقرأ عادة باعتباره رسالة سياسية صامتة، وإنعكاس لعقلية عدائية دفينة، لا تنسجم مع مقتضيات الإستضافة ولا مع أخلاقيات المنافسة الرياضية التي يفترض أن تكون جسرا للتقارب بين الشعوب لا ساحة لتصفية الحسابات السياسية. ومن جهة ثانية، و على مستوى السياق الإقليمي والعلاقات المغربية الجزائرية، تأتي هذه الواقعة في لحظة مفارقة حاسمة، إذ شهدت الأيام الأخيرة وخاصة خلال كأس العرب، بروز تعاطف شعبي متبادل، تجلى في تشجيع جماهيري مغربي صريح للمنتخب الجزائري، وفي مشاهد إنسانية صادقة على الحدود بالسعيدية، حيث تقاسم الفرح والإحتفال بين سكان مغاربة وجزائريين، في دلالة قوية على أن الشعوب قادرة، على بناء جسور وجدانية تتجاوز الخلافات الرسمية.

من هذا المنظور، يبدو هذا الفعل وكأنه نشاز سياسي في لحظة كان فيها الرهان، على توظيف الرياضة كقناة لخفض منسوب التوتر الرسمي لا لإعادة إنتاجه. من جهة ثالثة و على مستوى الفاعل ودوافع الفعل، من المهم تجنب التعميم، فهذا التصرف لا يعبر عن سلوك الشعب الجزائري، بقدر ما يعكس سلوك بعض الأفراد الذين ما زالوا أسرى خطاب عدائي تغذيه حسابات سياسية داخلية، أو رواسب أيديولوجية ترى في أي حضور رمزي للمغرب استفزازا بحد ذاته. هذا النمط من السلوك غالبا ما يكون تعويضا نفسيا عن عجز سياسي أكبر، أو محاولة يائسة لفرض بطولة وهمية في فضاء لا يحتملها.
ختاما، يمكن القول إن الواقعة، رغم محدوديتها الشكلية، تكشف مفارقة عميقة،بين شعوب تقترب وتتصالح في المدرجات والحدود، ونخب أو أفراد يصرون على إعادة إنتاج القطيعة عبر أفعال صبيانيه محملة بدلالات سلبية. ليبقى الرهان الحقيقي السياسي والإستراتيجي، يظل في وعي المغاربة أنفسهم، وعي واثق لا يحتاج إلى ردود إنفعالية، لأن قوة الدولة تقاس بصلابة مؤسساتها، وبقدرتها على إستيعاب الإستفزاز دون أن تنزلق إلى منطقه. وإذا كان لهذا الفعل من معنى آخر، فهو أنه أعاد التأكيد مرة أخرى، على الفرق الجوهري بين أخلاق الضيافة المغربية الراسخة، وبين محاولات إستفزازية معزولة سرعان ما تسقط أمام صورة شعبين تجمعهما وشائج التاريخ والجغرافيا أكثر مما تفرقهما نزوات السياسة.
د/ الحسين بكار السباعي
محلل سياسي وخبير إستراتيجي.

