الگارح أبو سالم
في تازة، تحول بث أغنية للفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز في مقهى عادي إلى حدث أثار جدلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الحقوقية والمهنية. الغرامة المالية التي فرضت على صاحب المقهى، والتي بلغت 4840 درهمًا، لم تكن مجرد عقوبة، بل صدمة مفاجئة لعامة المواطنين والمهنيين، خاصة مع غياب أي إعلان مسبق أو حملة توعية تحدد حقوق وواجبات أصحاب الفضاءات العامة. والسؤال الذي يطرحه الجميع: كيف يمكن تحديد ما إذا كان بث موسيقى هادئة في مقهى يشكل “استغلالًا تجاريًا” للمصنف؟ القاعدة القانونية تقول إن أي استغلال تجاري لمصنف محمي يستلزم الترخيص، لكن المعايير العملية لتحديد الاستغلال التجاري لم تُوضح في هذه الحالة. تشغيل أغنية لفيروز، مجرد خلفية للمقهى، لا يرافقه دفع رسوم إضافية أو ربط دخول الزبائن بالموسيقى، ما يجعل الغرامة تبدو انتقائية وتعسفية.
فإذا ما ركزنا على هذه الحالة وحدها، هل يعني ذلك أنها الحالة الوحيدة؟ الواقع يشير إلى العكس: آلاف المقاهي والمطاعم في المغرب تشغل أعمالًا فنية محمية يوميًا دون مواجهة أي عقوبات، ما يجعل اختيار هذا المقهى تحديدًا يوحي بأن القانون يطبق بانتقائية صارخة، ويطرح تساؤلات حول المعايير المتبعة، الأمر يزداد تعقيدًا بالنظر إلى أن المؤلف الموسيقي فيروز فنانة أجنبية. حقوقها تخضع لاتفاقيات دولية مثل اتفاقية بيرن، ما يضع السؤال القانوني: ما علاقة المكتب الوطني لحقوق المؤلف بحقوق المؤلفين الأجانب؟ القانون المغربي يسمح للمكتب بتحصيل مستحقات الاستخدام المحلي، لكن تطبيق العقوبة المالية المباشرة على مهني مغربي دون مراعاة الإطار الدولي قد يُعتبر تجاوزًا للقواعد المتعارف عليه.
ومن الناحية القانونية، يُمكن القول إن المكتب الوطني يملك الصلاحية لتطبيق القانون المحلي، إلا أن التطبيق المباشر دون تدرج – تحذير أولًا، ثم غرامة عند التكرار – يضعه في منطقة رمادية من حيث العدالة والإجراء القانوني المتوازن. القانون يجب أن يحمي حقوق المؤلفين، لكنه أيضًا يجب أن يراعي الواقع الاقتصادي والاجتماعي للقطاع، وإلا أصبح أداة للضغط والعقاب بدل حماية الحقوق.
الحل المقترح يجب أن يكون متعدد المستويات:
1. حملات توعية مستمرة للمهنيين توضح لهم حقوقهم وواجباتهم القانونية تجاه المصنفات المحمية.
2. مقاربة تدريجية في تطبيق العقوبات تبدأ بالتنبيه والتحذير قبل الغرامة، خصوصًا في حالات البث العادي غير التجاري.
3. إطار تواصلي مفتوح بين المكتب الوطني والمهنيين لتسهيل الحصول على التراخيص القانونية.
4. مراجعة دوريات الرقابة والإشراف لضمان تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف، مع مراعاة القوانين الدولية المتعلقة بالمؤلفين الأجانب.
وختاماً ، تكشف واقعة تازة عن فجوة بين النص القانوني والتطبيق العملي، وعن حاجة ملحة لتعديل مقاربة حماية حقوق المؤلف بحيث تكون عادلة، شفافة، ومتدرجة، وتوازن بين حماية المبدعين واستدامة النشاط الاقتصادي للمهنيين. القانون لا يُحترم إلا إذا فُهم وتُرجمت نصوصه إلى واقع عملي يعكس التوازن بين الحقوق والواجبات، لا أن يصبح أداة صدمة وتعسف كما حدث في هذا المقهى.
