الإعلام المغربي غاب عن كأس العرب وتجاهل قرعة المونديال ومات سريريا قبل كأس إفريقيا

0

الگارح ابو سالم 

في الوقت الذي تتحول فيه القنوات العربية إلى ورشات اشتغال حقيقية خلال كأس العرب، تبث المباريات بدقة وتخصص بلاطوهات تضجّ بالنقاش والتحليل، تبدو قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وكأنها اختارت الانسحاب الطوعي من المشهد. لحظة كانت الجماهير تنتظر فيها تغطية وطنية دافئة ومواكبة مباشرة لمباريات المنتخب الوطني، وجدت نفسها مرغمة على الهجرة نحو شاشات الآخرين. هنا يتبيّن أن الإشكال لم يعد تقنياً ولا ظرفياً؛ بل أصبح تغييباً مؤسساتياً كاملاً لحدث عربي له رمزيته ومكانته. وما يزيد الصورة قتامة أن الغياب امتدّ ليشمل محطة عالمية أكثر أهمية: قرعة كأس العالم 2026. فرغم أن هذه القرعة تحدد ملامح مسار المنتخب المغربي في واحدة من أكبر التظاهرات الدولية، لم يصدر عن الشركة الوطنية إعلان واحد ولا وصلات ترويجية ولا أدنى مؤشر على أنها مستعدة لمواكبتها. غياب مربك يثير الشك في قدرة المؤسسة على مواكبة نبض جمهورها… أو ربما في استعدادها لذلك.
المؤلم أن المؤسسة ذاتها كانت، قبل سنوات فقط، في مقدمة القنوات العربية والإفريقية التي تبادر إلى تغطية البطولات والفعاليات الكبرى، وكان المشاهد المغربي يعتز بدورها ومهنيتها. اليوم تغيّر كل شيء؛ إذ يُتابع المغاربة بطولات بلادهم عبر قنوات أجنبية، بينما تلفزيونهم الوطني غارق في صمت بارد، وكأن ما يجري في الملاعب لا يعنيه. تتعدد التفسيرات المحتملة: هل يتعلق الأمر بعائق مالي؟ أم بسوء تقدير لقيمة التظاهرات العربية والعالمية؟ أم أن الخلل أعمق، يعود إلى ارتباك هيكلي يجعل المؤسسة عاجزة عن اتخاذ القرارات في وقتها؟ مهما كان السبب، فالنتيجة واضحة: الإعلام العمومي يبتعد عن جمهوره بسرعة مخيفة، ويقترب في المقابل من فقدان جوهر وظيفته الأساسية.
وما يزيد من حجم التساؤلات أن ارتباك المؤسسة يتكرر في الاستعداد لكأس إفريقيا التي يستعد المغرب لتنظيمها. فقبل أيام قليلة من أكبر حدث قاري تحتضنه البلاد، لا يظهر على قنوات الشركة الوطنية أثر لترويسة العدّ التنازلي، ولا حملة تحفيزية، ولا تصور تحريري يليق بحجم المناسبة. الاستثناء يأتي من قنوات أخرى مثل دوزيم وميدي 1 تي في، ومن إذاعات كـ”شدى أف أم”، فيما يقدم راديو مارس مبادرة محترمة عبر قافلة تجوب مناطق البلاد لتعريف الجمهور بالبطولة. أما قنوات الشركة الوطنية، فتبدو وكأنها خارج الزمن الرياضي للمغرب، تائهة بين الارتباك والتأخر، غير قادرة حتى على مواكبة حدث يُقام في عقر دارها.
هذا الوضع يثير قلق المتابعين: هل سيؤثر هذا الارتباك على النقل المباشر لمباريات كأس إفريقيا؟ وهل يمكن أن ينعكس على صورة المغرب الذي يستعد لاحتضان حدث قاري يترقبه الملايين؟ لحسن الحظ أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحركت مبكراً بوضع خطة بديلة “Plan B” لتأمين التغطية وضمان مواصلة التحضيرات دون ارتباك. لكنها خطوة، رغم أهميتها، تكشف عمق الأزمة داخل الإعلام العمومي أكثر مما تخفف حدتها.

إن كأس إفريقيا ليست مجرد مسابقة رياضية؛ إنها رهان وطني كبير في التنظيم والتواصل وإبراز قدرة المغرب على احتضان الأحداث الكبرى. غير أن أداء الإعلام العمومي، في لحظة تحتاج فيها البلاد إلى صورة موحدة ومتألقة، يبدو بعيداً تماماً عن المستوى المطلوب. وبينما يستعد المغرب لاستقبال القارة، يبقى السؤال معلقاً بإلحاح: هل ينهض الإعلام العمومي قبل فوات الأوان، أم سيظل الغياب والموت السريري من ضمن عناوينه الكبرى بينما المغرب يصنع الحدث و سيحتفل باحرازه ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.