ONCF 970 x 250 VA

مال الشعب الجزائري يهدر في شراء الذمم

0

بقلم : لحسن الجيت                                                                     

وها هي حليمة تضرب موعدا آخر مع عادتها القديمة. هذا هو حال النظام الجزائري بعد أن فشل فشلا مدويا ومخزيا في معركته ضد المغرب على مدى نصف قرن من الزمن كان الفضل فيها تميز المغرب وقدرته على اتباع دبلوماسية واضحة في النهج والأسلوب السلس لإقناع المنتظم الدولي بشرعية مطالبه القانونية والتاريخية وبخياراته السياسية التي فرضت نفسها كحل دائم ذي مصداقية ومقبول للنزاع المفتعل، وهو النزاع الذي جعل منه النظام الجزائري قضية حياة أو موت. فيما الشعب الجزائري الشقيق غير معني بذلك.

المغرب ليس له ما يملك من المال ليهدره في شراء الدمم. وما يغنيه عن اللجوء إلى الأساليب الملتوية واللاشرعية هو إيمانه بعدالة قضيته ولا شيء سوى ذلك حاضرا ومستقبلا. وعلى النقيض من هذا النهج يتبع النظام الجزائري اليوم كما كان بالأمس سياسة شراء المواقف بالمال وإغراء بعض الحكام من ضعاف النفوس الفاقدين للشرعية في بلدانهم كأولئك الذين وصلوا إلى الحكم على متن الدبابات. ولا غروفي ذلك فالأنظمة العسكرية تحن لبعضها وتلتقي على قاسم مشترك هو حب المال والسلطة. ولأن النظام الجزائري هو نظام عسكري وهو أقدمهم وعميدهم في القارة الإفريقية يبقى مصدر تمويل لأي عسكري جديد حط الرحال على الحكم في بلده من أجل ألا تزل قدمه، وبالتالي يبقى مدينا للنظام الجزائري ليبيعه مواقف لا يريد منها إلا تلك التي تكون معادية للمغرب.

ما قد نعاينه من تحركات للنظام الجزائري على المدى المنظور، سيعيدنا إلى حقبة سبعينيات القرن الماضي حينما كان ذلك النظام يوزع مال الشعب الجزائري كرشاوى على بلدان إفريقية لكي تنخرط في المشروع المعادي للوحدة الترابية لبلادنا. وقد تفوق النظام الجزائري في الموبقات والمكائد واشترى حينئذ الأمين العام الأسبق إديم كودجو ليقحم الكيان الانفصالي في ما كان يعرف بمنظمة الوحدة الإفريقية. كيان فاقد للشرعية الدولية ولمقومات الدولة المتعارف عليها في القانون الدولي. فالنظام الجزائري لا يشتغل على القوانين الدولية ولا يومن حتى بها ولا بمساطرها.يومن بسياسة المكائد ويسخر من أجل ذلك المال ويغدق بدون حساب ولا رقيب والثروة سائبة. فالمبالغ التي صرفت على قضية لا تعني الشعب الجزائري في شيء تقدر بملايير الدولارات. والمفارقة في ذلك أن مكانة المغرب تعززت وتقوت بينما عامة الجزائريين ولعقود حالكة وجدوا أنفسهم في حرمان شديد طال مختلف مناحي الحياة العامة منها على سبيل المثال لا الحصر قطاع الصحة حيث البنيات التحتية للمستشفيات في أدنى المستويات من حيث تقديم الخدمات الضرورية للمواطن الجزائري. فيما يعاني الشباب الجزائري من البطالة وانسداد الآفاق بالنسبة للمتخرجين من الجامعات الذين لا يجدون مجالا للعمل يلبي حاجياتهم ويتلاءم مع تكوينهم. ولعل هذه الظاهرة تطرح إشكالية كبيرة في خيارات الدولة الارتجالية على مستوى التعليم وغيره.

كل المبالغ الهائلة التي صرفها النظام الجزائري في قضية خاسرة، لو تم رصدها ووضعها في خدمة الجزائر والجزائريين لكان ذلك البلد اليوم على درجة كبيرة من التقدم والازدهار على غرار تلك المستويات العالية التي نتابعها في دول الخليج مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. مواطنوها يعيشون بكرامة في بحبوحة من العيش، فيما الجزائريون يعيشون فقراء في دولة تعد من البلدان الغنية عالميا في مواردها وخيراتها. موارد البترول والغاز في الجزائر هي نفسها في دول الخليج، فلمادا هذا الفارق المدوي في نمط العيش ؟ السبب يعود إلى من يتولى السلطة: واحد غيور على وطنه وقلبه على شعبه، والآخر عسكري تدرب في الثكنات على النهب وبعد أن استقام له الحكم وتحكم زاد من وتيرة النهب لملء خزائنه البنكية في الخارج بمال الشعب وعلى حساب الشعب.

طفرة البترول في سبعينيات القرن الماضي قد تعيد نفسها اليوم بعد أزمة أوكرانيا ليستفيد منها النظام الجزائري بعد الارتفاع المهول في الأسعار مما قد يترتب عنه ملئ الخزائن الجزائرية أو بالأحرى خزائن من يحكم الجزائر. وبكل تأكيد أن هذا المال الوفير لن يسخره النظام لتنمية البلاد ورفاه العباد بل سيسخره كعادته لمعاداة المغرب ومحاولة استمالة الدول التي انقلبت عليه بإرشائها من جديد. وقد يستغل النظام الجزائري هشاشة بعض الدول اقتصاديا وسياسيا وصحيا بعد سنوات عجاف من الوباء بدعمها ماليا من أجل حملها على تغيير مواقفها من الوحدة الترابية للمملكة. وقد لا نستبعد أن يتحرك النظام الجزائري في اتجاه دول أمريكا اللاتينية لحملها على تغيير مواقفها، وأن يستهدف كذلك تلك الدول التي فتحت قنصليات لها في كبرى حواضر صحرائنا. وفي هذا الصدد، يتعين على دبلوماسيتنا وضع خارطة طريق تتلاءم والظرفية للحيلولة دون إحداث اختراقات جزائرية، وتنزيل تلك الخارطة من خلال مساهمة فعالة للدبلوماسية الموازية سواء على الصعيد البرلماني أو على صعيد الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني. فكل الفعاليات مدعوة إلى تحمل مسؤوليتها الوطنية. ولا بأس كذلك من الاستعانة ببعض الأطراف الشقيقة والصديقة من خارج القارة التي لها إما نفود استراتيجي أو سياسي أو مالي على العديد من الدول الإفريقية مادام العدو يستعد لاستخدام ما تبقى له من أوراق لتغيير موازين المعركة ،معركة كسر العظام.

وإذا كانت مقاربة النظام الجزائري تستند بالأساس على الرشاوى وشراء الدمم على مستوى الأشخاص، فإن مقاربة بلادنا كما هو عليه الحال لا تعتمد الأساليبغير الشرعية ولا تستهدف عينات معينة من الأفارقةالتي لها أفق محدود ، بل تعتمد مقاربة شمولية في علاقاتها مع الدول الإفريقية ترمي إلى تنمية حقيقية ودائمة تستهدف مختلف الشرائح الاجتماعية في تلك المجتمعات وخاصة الشباب الإفريقي وذلك بخلق فرص للعمل في مشاريع تنموية تعود بالربح المتبادل بين الطرفين. وهنا تكمن المفارقة بين المقاربتين واحدة مؤقتة وترتبط بالظرفية وبالمصلحة الضيقة التي لها صلة بالأشخاص وتبحث عن ممارسة الوصاية من خلال التحكم في مفاصل السلطة في ذلك البلد عن طريق تغلغل استخباراتي، وأخرى شمولية وطويلة الأمد تستهدف تنمية شاملة قائمة على مبدإ رابح ـ رابح.

إجمالا، الصراع القائم بين المغرب والجزائر يمكن تلخيصه في إطار صراع ما بين نظام له سلطة المال افي غياب حكامة جيدة مع وجود تسيب وهدر ، وما بين سلطة رأس مالها شرعية تاريخية ودستورية قوامها مؤسسات ديمقراطية. وليعلم النظام الجزائري أن المغرب قديم قدم البشرية وهو محصن برجاله وأن القضية قضية شعب قادر على أن يرفع التحدي في وجه الجميع. وقد علمنا التاريخ أن إرادة الشعوب لا تقهر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.