كاب 24:متابعة
لقد ظلت الأسرة ثم المدرسة المصدر الأول للمعرفة حتى بدايات القرن العشرين، وأصبح المعلمون بمثابة المصادر الرئيسة لتوزيع المعرفة، وظل المجتمع يعتمد على المدرسة كمصدر للتربية باعتبارها المصدر الأول للمعرفة ، وأصبح المعلمون هم المصادر الرئيسة لتوزيع المعرفة . كما أحكم الإعلام بعد ذلك سيطرته على المجتمع، مسلياً مربياً معلماً وموجهاً، يظهر كل يوم بوجه جديد، وفي كل فترة بأسلوب مبتكر، وفي كل مرحلة بتقنية مدهشة، متجاوزاً حدود الزمان والمكان، مما جعل التربية بوسائلها المحدودة، وتطورها التدريجي تفقد سيطرتها على أرضيتها، وأصبح الإعلام و خاصة المرئي منه ، يملك النصيب الأكبر في التنشئة الاجتماعية، والتأثير والتوجيه، وتربية الصغار والكبار معلنا سيطرته على المجتمعات مما جعل من هذه التربية الإعلامية ضرورة ملحة في عصر تكنولوجيات الإعلام والاتصال وأكثر من أي وقت مضى نظرا للتطور المتسارع لهذه التكنولوجيات بمختلف مواقعها وكثافة الاستخدام وانعكاساته على الفرد والمجتمع والعلاقات الاجتماعية بل والإنسانية
و قد أصبح الوضع حاليا يفرض على رجالات الإعلام تسطير برامج للطفل و الناشئة متخصصة في التربية و التهذيب تأخذبعين الإعتبار الأسس التربوية التالية :
1/ ترسيخ الهوية و تأصيلها ، و ذلك عبر برامج هادفة في هذا السياق تركز على الهوية الأصيلة للأمة تربط بين ماضيها ، و واقعها و مستقبلها المنشود.
2/المحافظة على قيم المجتمع الأصيلة ، و عاداته الإيجابية ، فهناك قيم أصيلة في المجتمع توارثها الناس و تناقلوها ، فهذه القيم يجب حفظها و عدم التفريط فيها ، و للإعلام دور في ذلك .
3/ تعزيز مفهوم رسالة الأمة و الوطن عند الطفل
إن للتربية الإعلامية الصحيحة آثار عديدة ، فميدانها الأول و الأساس هو الطفل ، حيث تنعكس بسرعة على سلوكه ، و قيمه ، و اتجاهاته المختلفة في الحياة ، و بناء الفرد مستقبلا ، و سلوكيا ، و قيميا على المواطنة الصحيحة ، يعد منطلقا و مرتكزا أساسيا في بناء المجتمع ، و الأمة كذلك . و لعل الميزة التي يتمتع بها الإعلام و خاصة التلفزيون ، يفتقدها غيره من حيث تعدد المستقبلين له ، و تيسر سبل نقل رسالته .
و لا يمكن تحقيق أهداف التربية الإعلامية عبر الشاشة الصغيرة مثلا إذا لم يتم إعداد مخططات و مناهج إعلامية تربوية بما يتماشى مع المحافظة على قيم المواطنة وبذلك توظيف العملية الإعلامية لصالح العملية التربوية.
و هنا لابد من الوقوف عن وضعية و مكانة الطفل في إعلامنا الوطني و خاصة العمومي منه ، للإشارة أن هذا الموضوع سبق و أن تمت مناقشته على الصعيد الحكومي من خلال دفتر التحملات للقناتين المغربيتين و أعني بذلك الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة و القناة الثانية.
فموضوع حضور الطفل كان مميزا من خلال هذه الدفاتر ، و نأخد على سبيل المثال ما تمت صياغته بالنسبة للقناة الأولى التابعة للشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة . فالمادتين 9 و 23 تشيران على صياغة برامج الأطفال داخل الوظائف و الخصائص العامة للبرمجة التلفزيونية . و تبقى المادة 32 من هذا الدفتر و التي تشير في صياغتها إلى “ تبث “الأولى”، يوميا و بصفة منتظمة، برنامجا ترفيهيا موجها للأطفال و بمشاركتهم، لمدة لا تقل عن 26 دقيقة، تتوخى التسلية و الإسهام في تنشئة هذه الفئة اجتماعيا و معرفيا و قيميا و فكريا و سلوكيا...”
لكن و الحالة هذه ، نلاحظ و تزامنا مع عودة الأطفال إلى مدارسهم و بشكل جماعي و اعتيادي بعد التراجع الكبير لجائحة كوفيد-19، أن هذا الطفل و بعد عودته إلى بيته أصبح يفتقد لحق خوله له القانون و هو حقه اليومي في التلفزيون للترفيه و التسلية و الذهاب به إلى فقرات تنمي مكتسباته و معارفه ومهاراته وتنمي قيمه على المواطنة و هويته الأصيلة ، لنجعل من طفل اليوم رجل الغد بامتياز و حتى نضمن لبلادنا ناشئة مصرة على مواكبة التقدم الذي تعرفه بلادنا بخطى أكيدة و مسلحة بإيمان العزيمة و الوعي و حب الوطن لتجنب كل الأفكار و القيم الدخيلة على أطفالنا بعد تعدد الفضائيات و الإعلام الرقمي بكل مكوناته .
فالطفل الصالح الذي ينتج عنه المواطن الصالح ، هو مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى في أن يساهم في صنع قوة حضارة بلاده و ذلك بالارتباط بمرجعياته الأصيلة و قيمه النبيلة .