حاوره عبد الحي كريط
شاعر ومترجم عراقي ومن أبرز أدباء بلاد الرافدين منبع الحضارة الإنسانية وأحد أبرز المترجمين إلى اللغة الكردية بدأ مشواره الادبي في مطلع التسعينيات القرن الماضي بكتابة الشعر باللغة الكردية ونشرت قصائده في جريدة هاوكارى ومجلة رنكين اللتان كانتا تصدران في بغداد ذلك الوقت و بعد 2003 نشرت قصائده الكردية في جريدة كركوكى نوى و باسره اللتان كانتا تصدران في كركوك.
له مجموعة شعرية واحدة باللغة الكردية بعنوان ( دوا تكا ) ويعني الرجاء الاخير صدرت عام 2000 في مطبعة كركوك على نفقته الخاصة.
صدر له اربع مجاميع شعرية باللغة العربية
( انوثة مدينة ) في مدينة سليمانية طبعت على نفقة اتحاد ادباء الكورد – فرع كركوك 2013 مطبعة كارو في سليمانية .
( أناهيد ) دار نشر تموز للطباعة والنشر والتوزيع في سوريا 2014 .
( بمحاذاة الغواية ) في مطبعة پنجره طهران 2017 .
-( غوص في مدائن العشق) في مركز سارا للطباعة والنشر في مدينة سليمانية 2019.
و قريبا سيصدر له مجموعة شعرية جديدة ( رحيق الحاسة العاشقة ) عن اتحاد ادباء العراق .
ترجم العديد من القصائد لشعراء كورد الى اللغة العربية ونشرت في الصحف المحلية والعربية مثل الزمان و الاتحاد والصباح الجديد وهو بصدد جمعها في مجموعة شعرية متكاملة في اقرب فرصة كما نشرت قصائده في عدد من المواقع الالكترونية الثقافية العربية ومنها مركز النور.
ترجم الى الان خمس روايات من الكردية الى العربية وهو بصدد نشرها في المرحلة القادمة وكما يلي:
( حراس الله ) للروائي عطا محمد .
( لا شيء .. اعترافات امرأة ) للكاتبة كوجر أبو بكر
( فندق أوروبا ) للكاتب والروائي فرهاد بيربال
رواية ( قلعة دمدم ) للكاتب عرب شمو.
رواية ( احلام كزال ) للروائي جلال قادر.
لديه عدد من الاعمال الادبية غير المنشورة في القصة القصيرة والرواية اضافة الى مجموعتين شعريتين جاهزتين للطبع احدهما عن مآسي الحرب.
نال خلال مسيرته العديد من الشهادات التقديرية وجوائز الابداع.
كتب عن تجربته الادبية نقاد عراقيين كبار امثال د. يوحنا ميرزا الخامس وعلوان السلمان و عدنان ابو اندلس وغيرهم .
ضيف الحوار لهذا الأسبوع هو الأديب والشاعر والمترجم ابن مدينة كركوك العراقية الأستاذ يوسف الشواني ليحدثنا عن إصداره الشعري المتميز أناهيد والذي يحوي على الكثير من الدلالات الخفية والنصوص المتنوعة والتي تقتفي اثر الجمال “أناهيد ” هي انعكاس وجداني لرمز ادبي وفلسفي استنبطت من تجارب الحياة واسم يحمل في مدلولها الكثير من الخفايا والجمال. كما سيحدثا عن تقييمه للواقع الثقافي في عراق اليوم
-ما لفت إنتباهي في ديوانك الشعري أناهيد أنك استعملت لغة أدبية بسيطة بعيدة كل البعد عن التعقيدات اللغوية الشعرية .. مالسبب في ذلك ؟
( أناهيد ) هو ثاني ديوان شعري لي باللغة العربية بعد كتاب انوثة مدينة، وصدر عام 2014 في دمشق ويعدّ بدايات الكتابة باللغة العربية لكاتب كردي لم يخض تجربة الشعر العربي الكلاسيكي اطلاقا وكتب الشعر من خلفيته الثقافية والادبية الكردية, فكان من الطبيعي جدا ان ابدأ بلغة شعرية بسيطة تتخللها الموسيقى والايقاع ولكن دواويني اللاحقة امتزج معها التعقيد اللغوي الشعري كما ان البساطة من منظوري يجب ان لا تعني السطحية بل التعبير العميق بلغة سهلة تتسلل الى قلوب القراء بيسر، لكن مع هذا ما زلتُ مصرّ على وجهة نظري بان الشاعر يحتاج الى الكتابة بكلا الاسلوبين في آن واحد بغية ارضاء متطلبات المتلقي البسيط والناقد الادبي على حد سواء. في العادة يبحث المتلقي عن لغة سلسة بعيدة عن تعقيدات البلاغة والصور الخفية والرموز المشفرة وارى بان التعقيد المبالغ عقوبة للقارئ ويصنع فجوة وتنافر لا داعي له، وما يهمني جدا في كتابة الشعر ان استخدم صورا شعرية مبتكرة وغير مستهلكة بتوظيف لغوي مبهر يصنع الدهشة والمفاجئة ليصل الى القلب بسرعة، كما افضّل الغموض الفني الايجابي التي تدغدغ ذاكرة القارئ ويفيقه من سبات القراءة السطحية فضلا عن مواكبة الحداثة وخوض المزيد من التنوع الادبي لإثراء كتاباتي بشتى الطرق
–هل واجهتك صعوبات الهامية في إخراج هذا العمل الشعري إلى حيز الوجود؟
يقال بان ولادة الشعر معاناة من أَول ومضة إِلى ان تصبح اشراقة ساطعة على أَديم الحياة، لكن الشعر بالنسبة لي راحة نفسية ومتعة لا ارادية، اتنسم منه عطر المجاز ولذة البلاغة والاستعارة ونشوة الخيال وجمالية فن التصوير بالكلمات ..
لم يفارقني الشعر منذ صغري يرافقني اينما كنت وهو كتنفس الهواء بالنسبة لي، لهذا لم اجد صعوبة في الكتابة بلغتي الام كوني قد اتممت رحلة استكشاف طويلة وسط بحار الشعر الكردي الكلاسيكي قبل مرحلة الجامعة وعندما قررت ان اكتب باللغة العربية تخطيت الاشواك سريعا ومضيت بثقة اذ كنت قارئا نهما منذ اول قبلة على جبين الشعر وحتى اخر عناق استغرقته في وجدان الكلمات، منذ لحظة انزلاقي في وادي الابجدية وسط خمائل كثيفة بين زهور تبث العشق وصخور تخرج منها ينابيع اللهفة الى ان اقترفت اثم الغواية وانا ما زلت اعيش غارقا في بحر الالهام خلف ستائر زمن لا يعرف احد كواليسه او كم احرقت من حطب الخيال لأنتج وقود الشعر وما الدخان الذي يرحل مع الريح، وكم منه يصبح رمادا تتوارى في غياهب الضياع.
يقول الشاعر لويس أَراغون : ( لولا الشعر لأُصبنا جميعا… بالسكتة القلبية ).
وانا اقول : ( لولا الشعر لما انشرح قلوبنا بملذات الحب ) .
-ماهي المنظومة الشعرية التي إستخدمتها في التعبير عن خوالجك وترجمتها في أناهيد؟
انا اطوف في مدار الشعر منذ ان وطأتُ قدمي على هذا الكوكب في رحلة مكوكية لا تنتهي ابدا، انفقت جزءا من ذخيرتي الادبية ولكني ازود نفسي بوقود الحب واستعمل طاقاتي المتجددة في التحليق عكس الجاذبية .
كتاباتي رومانسية و واقعية وسريالية في آن واحد وعبارة عن مزيج من الشعر، الموزون والمقفى، والحر والتفعيلة والومضة والهايكو وفيها نصوص خارجة عن المألوف وكلمات لا علاقة لها بالشعر كما استعرت حروفا من خارج الابجدية ونظمت نصوصا في اطر مختلفة وفق القياسات التي تناسب تفكيري، لست على خطى مدرسة معينة ولم اتبع مذهب ثابت، كل الذي اكتبه واعبر به عن خوالجي واترجمه على الورق استنبطه من خارج القوانين والانظمة وكلما اتقدم في الشعر اتراجع في تقييد نفسي واخرج من الاقواس والاوزان واحلق بأجنحة الابجدية وانطلق برفقة الخيال الى عوالم المجاز وانذر شعري للحب واشفر تفكيري بطلاسم غامضة واعلنها خفية على الملأ تارة واكشف عن خوالجي ببساطة تارة اخرى واحمل معي لغة انسانية متجددة كتجدد اوراق النبات واحيانا اقشر نفسي كليا لأهب الشعر نصوصا بحلّة جديدة واحيانا اخرى اقص او حتى ارقع ثوب خيالي بعدما اجده فضفاضا او ضيقا على دفتر اشعاري وفي الغالب استنشق المزيد من دخان الشعر واحتفظ به في رئتي وهلة ومن ثم انفثه على الكون واتركه ينضج في الفراغ ومن ثم اناديه ليعود لي محملا بشذى العشق ..
أتأمل قليلا واشغل خيالي واحبس انفاسي والتقط مشاهد من جمال الطبيعة بجبالها وورودها وارسمها على مسودات مبعثرة قد لا ترى النور.. كما اضع دائما لجمال الانثى مكانة خاصة في كل كتاباتي كونها تمثل الايقاع والنغمة والوزن والقافية اما الوطن فاحتل مساحات واسعة من عملي الادبي لكنني اشاهد انعكاسه في عيون الفقراء وحزن الاطفال كتبت يوما وقلت :
ما جدوى الشعر ؟
وكل ابياته لا تسع حزن طفل صغير..
اؤمن بالمقولة الخالدة لفيكتور هيجو في مقدمة ديوانه ( الشرقيات ) عام 1829 م حيث قال :
( ليذهب الشاعر إذن حيثما يشاء، و يعمل ما يحلو له، هذا هو قانونه و سواء أكتب الشاعر شعرا أم نثرا، وسواء نحت في المرمر أم صب تماثيله من البرونز فهذا رائع، والشعر حر )..
-ماهي الدلالات السيميائية والجمالية التي جاءت بها أناهيد ؟
لا اريد ان اتحدث عن شعري بدلا من النقاد المختصين لكن عموما سأقول لك بان جمالية النص من وجهة نظري تكمن في توظيف اللغة فضلا عن الخيال لالتقاط الصور الشعرية المبتكرة وهذا ما احاول ان اركز عليه في كل نص ادبي اقوم بصياغته اذ اقتنص الجمال من فم الطبيعة وعيون الانثى وارسم لوحاتي بفرشاة الابجدية لأجمع بين طياتها الاوصاف الحسية الجسدية والروحية والوجدانية .
واذا تحدثنا عن السيميائية بالتفصيل فإننا الى نحتاج دراسة تفصيلية تبدأ من العنوان ( اناهيد ) الذي يحوي على الكثير من الدلالات الخفية فضلا عن النصوص المتنوعة التي تقتفي اثر الجمال اينما كان لكنني اخترت مقطعين من مقالة بعنوان ( الومض الشعري النابض ) للناقد العراقي المعروف علوان السلمان الذي يتحدث فيها عن نصوصي قائلا :
( فالنص يتاثث من تلاحق الصور القابضة على لحظة الانفعال مما يمكن المنتج (الشاعر) الانفتاح على تقنيات السرد الشعري البصري السيمي (المشهدي) الذي يتطلب حضور المكان الحاضن للفعل الشعري وانفعالاته.. مع توظيف الرمز والمجاز والاستعارة اللفظية المفضية على النص عمق فكري وبعد جمالي… فضلا عن احتضان الشاعر للحياة بكل موجوداتها لخلق صوره المتوالدة من بعضها البعض كونه يعي ان الفن(التعبير بصور) والذي لا يتحقق الا بامتلاء المخيلة بالمعطيات الحسية التي يتفاعل معها المنتج بوعي كلي…)
كما يقول الناقد نفسه:
( نصوص تضيء خبايا الذات باسترسال سردي متعدد الظلال الرؤيوية مع مفاجأة اسلوبية ادهاشية.. فضلا عن التركيز على جمالية السياق الحداثي شكلا وبناء.. وهو يستمد تأثيره من خلجات النفس واحلامها السابحة في فضاءات المخيلة الشعرية لمعانقة الواقع من اجل خلق صوره بتلقائية تحتكم المنطق القائم على التجربة.. والتعلق بـ(الجوهر) الحياتي المنبثق من لحظة التجلي التي تستشرفها الشاعر كتجربة كيانية انتزعتها من سياق الوجود عبر الجملة الشعرية التي تتشكل من بنى تأملية اعتمدتها الشاعرة بقصدية منها (بنية الانا/بنية الهاجس/ بنية الاخر).. من اجل تفعيل المخيلة التي تنتج صورا شعرية تستفز الذاكرة وتحقق اثرها..)
-هل ديوانك الشعري اعتمد على فلسفة الحب العذري ؟
نعم في اناهيد اعتمدت على فلسفة الحبّ العذري ولكن هذا لا يعني بانني اتبع هذا النهج في كل اصداراتي ونصوصي، كل ذلك يتناسب مع طبيعة المرحلة ..
الشعر الحديث مزيج من الادب والفلسفة ولا يمكن ان اعتمد كليا على فلسفة واحدة وهناك تلاقح تلقائي بين كل ذلك ولولاها ما كانت الورود في حدائق الحياة بهذا الجمال .
-هل أناهيد هو انعكاس وجداني وتجربة مررت بها ؟
لا يمثل الشعر تجربة معينة بل هو خليط من التجارب المتداخلة والافكار المستوحاة من يوميات شاعر يخطف الدموع قبل سقوطها من العيون المكتظة بالحزن..
الشعر نتاج التجدد على مدار الحياة ومزيج من الخيال والواقع من اجل تشريع رسالة انسانية وبثها عبر اثير العشق ..
اناهيد لا تمثل انثى بحد ذاتها بل انعكاس وجداني لرمز ادبي وفلسفي واستنبطتها من تجارب الحياة واسم يحمل في مدلولها الكثير من الخفايا والجمال، هي آلهة الحب التي لم اعبدها بعد ولم اجدها ايضا الى الان، كلما تظهر في لحظة تتوارى عن الانظار سريعا.
-بدأت بكتابة الشعر باللغة الكردية في مطلع التسعينات من القرن الماضي، ماهي أوجه التشابه بين الشعر العربي والكردي ؟
لكل لغة خصائصها دون شك وكذلك اللغتين العربية والكردية فهما تختلفان كثيرا من كل النواحي ولكل منهما تاريخها وتراثها وحضارتها.
الشعر الكلاسيكي الكردي عظيم جدا والتاريخ الادبي الكردي زاخر بالشعراء المتميزين امثال ( نالي ) الذي يعد ظاهرة لا تتكرر في الشعر الكلاسيكي الكردي ومن المؤسف ان لا يعرف عنه العرب شيئا وكذلك عبدالله كوران يعد شاعرا عالميا وظهر في مرحلة انبثاق الحداثة وابدع في التجديد ووضع بصمة ابدية على الشعر عموما والشعر الكردي خصوصا ولكن في الوقت نفسه علينا ان نعترف ايضا بان الشعر الكردي القديم قد تأثر ببحور الشعر العربي وسار على نفس النسق تقريبا وحتى شعر التفعيلة والنثر والومضة والهايكو كل ما موجود في الشعر العربي والعالمي تجده في الشعر الكردي ايضا مع المحافظة على خصوصيات اللغتين. ولكن مع الاسف لا يوجد اهتمام عربي بالأدب الكردي عموما والشعر خصوصا، وعلى عاتق الاكاديميين ان يركزوا جهودهم في المرحلة القادمة على دراسات المقارنة بين الادبين الكردي والعربي لإضفاء الفائدة الادبية لكلا الطرفين..
-باعتبارك أحد شعراء بلاد الرافدين .. تقييمكم للواقع الثقافي في عراق اليوم ؟
لنتحدث بصدق ولا نتهرب من الحقيقة، الواقع العراقي عشوائي وفوضوي في كل المجالات ولم يسبق لبلاد الرافدين ان مرّ بهذا السوء المؤسساتي من قبل ابدا والدولة تتجه صوب المجهول وفق كل المقاييس ولست متفائلا بالمستقبل والثقافة جزء من هذا الواقع المرير، هذا ليس تشاؤما مني بل قراءة واقعية للأحداث ولكن وسط كل ذلك الخراب مازال هنالك جمال مبطن ينعكس تلقائيا كضوء ساطع يشرق في ازقة المدن، لدينا ساحات التحرير وشهداء لم يبخلوا بدمائهم من اجل التغيير، وناشطين وادباء وفنانين ومثقفين ادخروا طاقاتهم من اجل تفجيرها في ينابيع الوطن المتعثرة بأغصان الاشجار المتساقطة على جداول الابداع ويبقى حبنا للوطن هو الدافع الوحيد وراء استمرارنا واشعال قبس النور في عتمة الاحلام الضائعة ..
– لماذا اخترت الترجمة الادبية ؟
نحن نعيش حياة واحدة نحتاج ان نتعرف فيها على كل الثقافات ونربط جسورا من الحب فيما بينها ومازال العلم بكل تطوراته واختراعاته غير قادر على تشييد هذا البناء العمراني العملاق ولكنني اؤمن بان الترجمة بإمكانها ان تفعل ذلك.
هناك فجوة شاسعة بين الادبين الكردي والعربي رغم التقارب الجغرافي والديني والثقافي، لا توجد امة على وجه الارض ليس لديها خصوصيات لذا اهدف لأنقل الثقافة والتراث الكردي البديع الى القارئ العربي ليتعرف على جمال لم يصله بعد ويستمتع في رحلة وسط الجبال الشامخة في كوردستان ويستسقي من الشلالات والينابيع النقية التي لن يجد لها مثيلا في كل العالم ونزيل معا التشويه والتلفيق والافتراء الذي يحاول الساسة تصويره بكل حماقة من اجل صناعة الوهم وفق اجنداتهم الخبيثة التي تعمل على فتح الثغرات بين الشعوب وقطع الطرق وتفجير الجسور ووضع نقاط التفتيش وتفعيل مقص الرقابة على رقاب المثقفين واعلان الحروب العالمية والاعلامية والباردة والحارة والبايلوجية والاتفاقات المشؤومة والمعاهدات الظالمة من اجل مصالح ذاتية.. لكن لحسن الحظ، الادب الحقيقي نقيض ذلك تماما ..
-كلمة ختامية؟
اقدم شكري وامتناني لهذا الحوار الزاخر بالجمال والالتفاتة الكريمة واهتمامكم وجديتكم ونحن بأمس الحاجة الى فتح قنوات التواصل بين المشرق والمغرب ..